التعليم.. وقيم المجتمع (1)
إن قضية التعليم في اعتقادي لا يمكن أن تُناقش ولا تحل بعيدا عن مناقشة أسلوب حياتنا، ولا بد من الانتقال من المنظور الضيق للمشكلات التعليمية إلى المنظور الأوسع لمشكلاتنا الاجتماعية في تلك اللحظة التاريخية التي نحياها، ونقابل من خلالها تحديات وتهديدات سياسية واجتماعية وثقافية وسياسية أيضا.
فالتعليم يشكل الصورة الذهنية لأي مجتمع، وكل مشكلة حقيقية في التعليم ترتد في نهاية الأمر إلى مشكلة رئيسية في المجتمع، وأن رسم وتوصيف صورة لحالة التعليم هو رسم دقيق وتوصيف لصورة المجتمع، ومن ثم مناقشة قضية التعليم من جميع جوانبها الفنية المتعلقة بالعملية التعليمية، يجب أن تتم في وضع التعليم في الإطار الاجتماعي العام.
ونطرح السؤال: كيف نصلح التعليم؟.. ولكن هذا السؤال يجب أن يوضع بجواره أسئلة أخرى مثل: ما الهدف الذي نرسمه لحياة المجتمع؟.. وما نوع المجتمع الذي نريد أن نراه في المستقبل في ظل السيولة الأخلاقية المنتشرة الآن؟.. وأنا هنا أتساءل عن مستقبل مصر ومستقبل الشباب ومستقبل تاريخ عظيم؟
إن بناء الهيكل التعليمي يرتكز على قاعدة واسعة ألا وهي التعليم الابتدائي، وينتهي إلى قمة ضيقة ألا وهي التعليم الجامعي، والمشكلة تكمن في الفاقد التعليمي بين عدم الإقبال في مناطق الريف الفقيرة في القاعدة، وبين التزاحم الشديد والتنافس العنيف على الالتحاق بالجامعة، ولن نفهم ولن تحل هاتان القضيتان إلا بالرجوع إلى أصولهما في القيم السائدة في المجتمع.
ولنقف عند إشكالية التنافس الشديد على الجامعات، نجدها انعكاسا لقيم تحتقر العمل اليدوي أو المهن ذات الطابع العملي، وتعبر عن تطلعات اجتماعية أصبحت غير موجودة الآن، ولكنها مرسخة في الأذهان، وأطرح السؤال ألم يكن المجتمع هوبذاته الذي شجع بصورة كبيرة على سيادة هذه القيم في مرحلة سابقة حين أتاح للجامعي قيم الارتقاء ما لم يتاح للعامل الفني؟، وحين عمل على تحويل المعاهد الفنية إلى كليات جامعية؟؛ إيمانا وضمانا لارتفاع قيمة التعليم الجامعي بالمقارنة بأنواع التعليم الأخرى، ووجدنا أنفسنا الآن في ظروف تحتاج إلى تخريج كوادر حقيقية من تعليم فني؛ ليصبح مجتمعنا مع حجم التغييرات المطروحة مجتمعا منتجا وليس مستهلكا ومستوردا فقط.
فأسلوب التفكير والتقييم السائد لدى الأفراد انعاكس لأسلوب أوسع منه نطاقا، كانت تعمل الدولة في عهود سابقة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على نشره في المجتمع، ولنقف وقفة جادة الآن إلى الدعوة إلى تعليم يواكب التغيير ويواكب متطلبات المجتمع، بل ننتقل من الهيكل التعليمي إلى العملية التعليمية.. في مقالي القادم إن شاء الله.