سأقود موتوسيكلا (3)
هناك لحظات فاصلة في حياتنا يمكن أن تغير مجراها كله، بل يمكن أن تغير تركيبتنا الداخلية وتؤثر في ثقتنا بأنفسنا، فحركة مجرات العقل البشري يمكن أن تختل نتيجة لموقف غلبنا فيه ضعفنا.
أغلب فشلنا لم يكن فشلا مكتمل الأركان؛ لأن أقوى دعائمه كانت فشلنا في قهر الخوف داخلنا، وهذا الخوف أيضا لم يكن خوفا فطريا من خوض التجربة في حد ذاتها، وإنما هو خوف من الفشل فيها، خوفنا من ألا تؤهلنا قدراتنا إلى النجاح وخوفنا من عدم قدرتنا على تحمل تبعات الموقف إذا فشلنا.
جميعها قيود تحيط بنا وتكبلنا عند إقدامنا على إنجاز مصيري في حياتنا، وجزء كبير من نجاحنا فيه يكمن في تلك اللحظة التي نستطيع فيها التخلص من هذه القيود، لحظة النجاح تستدعي فيها كل إيمانك وتستجمع فيها كل عزيمتك بلا خوف.
لم يكن أمامي خيارات كثيرة إما أن أتحرك بالموتوسيكل أو أعود إلى بيتي، كما أعلن ريتشارد مدرب القيادة، وفعلتها وخطوت خطواتي الأولى لتبق ذكرى أصعب وأجمل لحظات حياتي، بعد مرور أسبوع اشتريت موتوسيكلا صغيرا وكنت أدور به ليلا بعيدا عن زحام المرور النهاري، وحين نزلت به إلى الشارع أول مرة صباحا أصبت حركة المرور بالشلل لقيادتي البطيئة وعدم إجادتي الدوران، وتحملت صياح أصحاب السيارات وزئير أصحاب الموتوسيكلات الكبيرة، وتذمر المشاة بصبر تارة وخوف تارة أخرى، حتى أجدت قيادته وأصبحت هذه الماكينة الصغيرة جزءا من حياتي.
وفي إحدى الليالي الشتوية كنت عائدة من عملي مساء يوم السبت، أقود موتوسيكلا أسود وأرتدي معطفا أسود وخوذة سوداء وكاجول أسود ونظارة شمسية، أشار لي أحد ضباط البوليس بأن أتوقف وأنزل، وأمرني بأن أخلع الخوذة والنظارة والكاجول، يحدثني ويده على سلاحه تحسبا أن أكون مجرما مسلحا، لكنه فتح عينيه عن آخرهما حين رأى وجهي وشعري بعد أن خلعت أدواتي الموتوسيكلية، قال لي: أنتِ امرأة وعاملة في نفسك كدة ليه؟، فقلت: أصلي بخاف من البرد فأضع الكاجول، وبخاف من تيار الهوا على عيوني فأضع نظارة الشمس، فقال أوراقك وأوراق التأمينات لو سمحتي، بعد أن راجع أوراقي وسجل أرقامها ابتسم وقال: هذه العيون الخاصة المتجولة ليلا في زي مخيف أتت إلينا من بلاد خاصة، كم أعشقها مصر!
نجحت في امتحان الكود وقيادة السيارة، وبعد عامين أصبح من حقي قيادة موتوسيكل كبير بسرعة 125، وكل عام أعد نفسي بهدية سيارة لتجنب مخاطر الموتوسيكل لكنه أصبح صديقي.. تمر السنوات فيزداد ارتباطنا وتعود كل منا على الآخر، هو جماد لكنه أسدى لي معروفا وقت حاجتي إليه، ما زلت أخاف سقطاته القاتلة لكنني أضعف من اتخاذ قراري بالتخلي عنه.