إحسان عبد القدوس يكتب: تمثالا لهذا البطل
في مجلة روزا اليوسف في ديسمبر عام 1956 وفي ذكرى ميلاد خطيب الثورة العرابية، عبدالله النديم، الذي ولد عام 1845 كتب إحسان عبد القدوس مقالا قال فيه:
أقرأ الآن الكتاب الثالث عن سيرة عبدالله النديم خطيب الثورة العرابية، والكتاب هو مذكرات عبدالله النديم التي جمعها وقدمها الدكتور محمد أحمد خلف الله، والنديم هو أكثر شخصيات الثورة العرابية إثارة لاهتمامى، فحياته عجيبة، سلسلة لاتنتهى من المغامرات، وسلسلة لاتنتهى من الثورات.
كان أبوه عاملا ثم أصبح خبازا، التحق النديم بجامع إبراهيم باشا بالإسكندرية ليتعلم على يد المشايخ لكنه مالبث أن ثار على المشايخ وترك الدراسة وعمل عاملا في مكتب تلغراف، ثم عاد ثائرا وكانت ثورته هذه المرة على خليل أغا الحاكم بأمره في عهد الخديو، فعزل من وظيفته وأصبح مشردا يطارح الأدباتية بالازجال في الموالد، إلا أنه كان محتفظا بكبريائه محتفظا بروح الفنان الخالص ولم يستطع أحد من الأعيان شراءه.
عمل بالتجارة وأفلس ثم عمل معلما للأولاد، ثم كاتبا في الصحافة، ولم يخرج من كل هذه الأعمال إلا بروحه الثورية فظل يحمل طاقة ثورية هائلة إلى أن قامت الثورة العرابية.
أسس الجمعية الإسلامية بالإسكندرية وساهم في تأسيسها معه رياض باشا رئيس الوزراء بـ25 جنيها في السنة فهلل النديم للوزير ونشر فيه قصائد المدح حتى تشجع الناس وأقبلوا على الجمعية.
وحين وقعت حادثة قصر النيل وقف النديم خطيبا يؤيد الحزب العسكري العرابى دون أن يتعرف على عرابى، وسمع رياض باشا بالخطبة فأمر بنفى النديم من مصر، وتصدى للقرار على باشا فهمى قائلا: «لئن أخذتموه بغتة بالبلاد حافظنا عليه بالأرواح والأجناد» فألغى القرار فوهب النديم نفسه للثورة العرابية ولم يتخل عنها أبدا، وكان عرابى يكتب شكواه إلى النديم فيرد عليه النديم في خطابات هي من روائع الأدب العربى القديم.
يقول له «إن زملاءه قد خسروا في الثورة كل شيء، أما أنت ـــ عرابى ـــ فقد كسبت المجد والتاريخ وأنك في الغربة أعز منك في ديارك وفى منفاك أعز منك بين أنظارك».
ويلوم النديم على من باعوا عرابى بقوله «وما باعوك بل باعوا الدين والأعراض وما سلموك بل سلموا البلاد والرياض، وما عليك من وطن باعه أهله، وجمع أضر به جهله، ولو كانت هذه الأقوام مع يوشع ماشم للنصر ريحا، ولا تم له فتح أريحا».