رئيس التحرير
عصام كامل

الشباب والنقد العادل


كثيرون هم من ينقدون الشباب .. لا لشيء إلا لأجل النقد .. ربما لأنهم يذكرونهم بمرحلة لا يملكون العودة إليها.. ربما التقليد الذى أشاع بأن للكبار السلطة الحاكمة وللصغار والشباب الإذعان بكل الحالات ..


باعتقادى من عاش فورة الشباب بلحظاتها الجميلة وذكرياتها الطيبة، وبزهوها ونشاطها، وبفرحتها الغامرة، سيحنُّ إلى تلك المرحلة التى مرت من حياته، وسيحياها من جديد مع هؤلاء الشباب، وسيتذكر معهم شبابه، وحيويته، ونشاطه وقوته، وسيتذكر بأنهم يخطئون كما كان يخطئ، ويحسنون التصرف فى مواقف كما كان يحسن التصرف فى مواقف بالحياة .. سينتقل عبر تاريخهم بضعفه وبعجزه، وبقوته ونشاطه، وبتجاربه ومؤهلاته، وبمكتسباته وإنجازاته، وبكل تاريخه ..

سيعيش معهم واقعهم، ويكتشف أسرار عالمهم، وسيبصر بعيونهم وعيون مرحلتهم وواقعهم ونوازلهم .. لا بعيونه وعيون مرحلته وظروفه وواقعه .. وسيبدأ يفكر بمنطقهم، ويعبر بلغاتهم ولهجاتهم ..، وسيستوعب أن دورة الزمان لم تتوقف عند مرحلته، إنما تحركت عقاربها حاملة معها دورة حياة جديدة بفصولها المختلفة، وسيستعيد معهم شريط ذكرياته، وسيشاهد معهم ألبومات صوره، وسيقلب صفحات من حياته الماضية، وسيدرك بأن النقد يحتاج لمن يضع نفسه داخل الصورة لا خارجها، وأن لكل مرحلة منطقها وأسلوبها الذى يعبر عنها، ولكل طور خصوصيته، ومشاعره، ومواقفه، وتجاربه، وأن من حق هؤلاء الشباب أن يعيشوا أعمارهم ومرحلتهم، كما عاشها الكبار الكهول منهم والشيوخ، وان يصنعوا تاريخهم بأنفسهم كما صنعه من تقدموهم، وأن من حقهم أن يتقلَّبوا بين أطوار مختلفة ليدركوا مرحلة الثباث والرزانة، والاستقرار النفسى والعاطفى ..

فعلى الكبار واجب الرعاية، وواجب التذكير، والنصح، والتوجيه، والإرشاد لهؤلاء، وليس التحكم والتسلط وامتلاكهم، أو حرمانهم من حقهم فى العيش الكريم، والحجر على ممارسة حرياتهم المشروعة فى التعبير عن أنفسهم، وفى شق طريقهم، وتحمل مسئوليتهم عند اتخاذ قراراتهم بشئون حياتهم ..

وعلى الكبار أن يدركوا بأنهم لا يملكون أن يفرضوا على هؤلاء الشباب رؤيتهم الناضجة والمتقدمة فى الفهم، ولا أن يلزموهم استيعاب ثقافتهم العالية وحكمتهم البالغة الرشيدة فى التحليل والاستنتاج، وفى التخطيط والتنظيم، لأن هذا يستحيل عليهم . فى أعمارهم الفتية..

ولو حاولوا أن يكونوا ربابنة متجبرين متسلطين .. وحدهم من لهم حق القيادة والريادة والتحكم بمصائرهم .. فليترقبوا أن يأتى يوم وقد فر هؤلاء الشباب من مستعمرتهم، وانفلتوا من رقابتهم، وفكوا قيودهم طلبا للانعتاق من عبوديتهم ..

الجريدة الرسمية