رئيس التحرير
عصام كامل

«بحيرى» أول المبشرين بنبوة رسول الهدى

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

يعتبر الراهب بحيرى أول المبشرين بنبوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، عندما رآه في مدينة بصوى "جنوب سوريا" ضمن قافلة قريش التجارية، وحسبما جاء في رواية الترمذى فإن رسول الله محمد بن عبد الله كان مسافرا ضمن قافلة تجارية مع عمه أبو طالب، وهو في التاسعة أو في الثانية عشرة من عمره، وتوقفت القافلة في بصرى "جنوب سوريا"، ورأى الراهب بحيرى الذي كان يعيش في صومعة قريبة من مكان توقف القافلة -حسب الترمذي- أن "كل شجرة وصخرة قد ركعت له، وأن ذلك لم يحدث إلا للأنبياء".


أكد الكثير من المؤرخين، أن الراهب "بحيري" التفت إلى شخصية محمد، وراح يتأمل في صفاته ويحدّق في ملامحه، بعدما رأى سحابة ترافقه أينما جلس لتحميه من حر الشمس، فسأل عنه بعض من في القافلة، فأشاروا إلى أبى طالب وقالواله:"هذا عمه
فأتى بحيرى إلى أبى طالب وبشّره بأن ابن أخيه نبى هذه الأمة، وأخبره بما سيكون من أمره، بعدما كشف عن ظهره ورأى خاتم النبوة بين كتفيه، ووجد فيه العلامات التي وصفته بها التوراة والإنجيل.

أشار كل من البيهقي، في كتابه «دلائل النبوة»، وابن هشام في كتابه «السيرة النبوية» إلى أن الراهب بحيرى، عندما رأى على الرسول علامات النبوة، نزل من صومعته، وأمر بصنع طعام، ثم أرسل إلى القافلة، التي تشرف بوجود الرسول بينهم، وقال: "إنّى قد صنعت لكم طعامًا يا معشر قريش، فأنا أحب أن تحضروا كلكم؛ صغيركم وكبيركم، وعبدكم وحركم".

فقال له رجل منهم: "والله يا بحيرى، إن لك لشأنًا اليوم ما كنت تصنع هذا بنا، وقد كنّا نمر بك كثيرًا، فما شأنك اليوم؟ قال له بحيري: صدقت، قد كان ما تقول، ولكنكم ضيف، وقد أحببت أن أكرمكم، وأصنع لكم طعامًا، فتأكلوا منه كلكم."

فاجتمعوا إليه وتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين القوم لحداثة سنه في رحال القوم تحت الشجرة، فلما نظر بحيرى في القوم لم ير الصفة التي يعرف ويبحث عنها، فقال: "يا معشر قريش، لا يتخلفن أحد منكم عن طعامي". قالوا له: "يا بحيري، ما تخلف عنك أحد، ينبغى له أن يأتيك إلا غلام، وهو أحدث القوم سنّا، فتخلف في رحالهم"، فقال: "لا تفعلوا، ادعوه فليحضر هذا الطعام معكم".
فقال رجل من قريش مع القوم: "واللات والعزى، إن كان للؤم بنا أن يتخلف ابن عبد الله بن عبد المطلب عن طعام من بيننا"، ثم قام إليه فاحتضنه وأجلسه مع القوم.

فرأسة بحيري
فلما رآه بحيرى جعل يلحظه لحظًا شديدًا، وينظر إلى أشياء من جسده قد كان يجدها عنده من صفته، حتى إذا فرغ القوم من طعامهم وتفرقوا، قام إليه بحيرى فقال: "يا غلام، أسألك بحق اللات والعزى إلا أخبرتنى عما أسألك عنه"، وإنّما قال له بحيرى ذلك لأنه سمع قومه يحلفون بهما، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تسلنى باللات والعزى شيًئا، فوالله ما أبغضت شيئا قط بغضهما".

فقال له بحيري: "فبالله إلا أخبرتنى عما أسألك عنه، فقال له: "سلنى عما بدا لك".
فجعل يسأله عن أشياء من حاله من نومه وهيئته وأموره، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره، فيوافق ذلك ما عند بحيرى من صفته، ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده.. فلما فرغ أقبل على عمه أبى طالب فقال له: "هل هذا الغلام منك؟ قال: ابني. قال له بحيرى:" ما هو بابنك، وما ينبغى لهذا الغلام أن يكون أبوه حًّيا"، قال:" فإنه ابن أخي"، قال: "فما فعل أبوه؟ قال: مات، وأمه حبلى به، قال: " صدقت، فارجع بابن أخيك إلى بلده، واحذر عليه من اليهود، فوالله! لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغينّه شرًّا، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم، فأسرع به إلى بلاده".

وذكر بعض المؤرخين، أن "بحيري" أصر على "أبى طالب"، أن يعود به إلى مكة وأن يبقيه تحت رقابته خوفا عليه من اليهود وغيرهم، الذين كانوا يرون العلامات التي وردت في كتبهم متحققة في شخص محمد، فرجع به أبو طالب إلى مكة ولم يكمل الرحلة إلى الشام.

ويذكر المؤرخون والمؤلفون في سيرة النبى صلى الله عليه وسلم، كذلك، أنه ظهر للنبي، في هذه الرحلة التي ضمت أعيان المكيين والقرشيين، كرامات وفضائل كثيرة، من قبيل الغمامة التي كانت تظلله من الشمس، والمياه التي اندفعت من بطون الصحراء، والأشجار اليابسة التي كانت تعود إليها الحياة بعدما يجلس تحتها الرسول صلى الله عليه وسلم فتثمر من جديد، وغير ذلك مما هو مذكور في كتب السيرة والتاريخ.

ادعاءات المستشرقين
وعلى الرغم من ورود هذه القصة في العديد من الكتب والسيرة النبوية، إلا أن هناك بعض المستشرقين، الذين شككوا في هذه القصة وأضافوا إليها ما لم يحدث، زاعمين أن علوم الرسول صلى الله عليه وسلم كان قد تلقاها من الراهب بحيرى في هذه الرحلة.
وقالوا إن محمدًا كان يتمتع بروح عظيمة وقوة في الذاكرة وصفاء في النفس، ودقة في الفكر، استطاع أن يأخذ في هذا اللقاء من بحيرى الراهب قصص الأنبياء السابقين، والكثير من تعاليمه الحيوية.

ويستند هؤلاء المستشرقون إلى ما ظهر في عهد الأمويين، من أقوال جاءت على لسان شخص يسمى يوحنا الدمشقي، والذي ألف كتابا باسم «الهرطقة»، وفيه اتهم الرسول صلى الله عليه وسلم)بأنه اقتبس دينه من ذلك الراهب، وأن بحيرى كتب جزءًا من القرآن.
وهنا حرص العديد من المدافعين عن الإسلام، على تفنيد هذا الادعاء، من خلال أربعة شواهد، وهى أنه من الثابت بإجماع المؤرخين أن النبى محمد صلى الله عليه وسلم كان أميًّا، لم يتعلم القراءة والكتابة، وكان عند سفره إلى الشام ولقائه ببحيرى الراهب لم يتجاوز الثانية عشر أو الثالثة عشر من عمره الشريف بعد، فكيف لإنسان أمى أن يستوعب تلك الحقائق من التوارة والإنجيل ثم يعرضها في سن الأربعين على الناس.

كما أن مدة هذا اللقاء كانت أقل بكثير مما يستطيع النبى صلى الله عليه وسلم، أن يستوعب التوراة والإنجيل لأن اللقاء الذي وقع مصادفة في "نصرة" بين النبى والراهب لم يستغرق سوى عدة ساعات قليلة لا أكثر، ولا يمكن القول إن الرسول مكث معه فترة طويلة، لأن ذلك يخالف كل الروايات والنصوص التاريخية التي روت هذه الرحلة للنبى صلى الله عليه وسلم مع عمه أبى طالب إلى الشام.

بالإضافة إلى أن النصوص تفيد بأن أبا طالب قطع رحلته إلى الشام ورجع بالنبى إلى مكة بعدما نصحه بحيرى الراهب بذلك.
ويؤكد المدافعون عن الإسلام، كذلك بالقول:" لو كان النبى صلى الله عليه وسلم تلقى تعاليمه ومعارفه من الراهب بحيرى لاشتهر ذلك بين قريش حتمًا، ولتناقل الجميع خبر ذلك بعد العودة كما أن كفار قريش لا يجدوا شيئا يشككوا به نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم) سوى أنه أمي؛ فكيف لشخص أمى أن يتعلم كل هذه العلوم.
ويختتم المدافعون شواهدهم بأن قصص الأنبياء (عليهم السلام) التي جاءت في القرآن الكريم تتعارض وتتنافى مع ما جاء حول الأنبياء في التوارة والأنجيل.
الجريدة الرسمية