رئيس التحرير
عصام كامل

«القاهرة - المنصورة».. طريق الموت!


هي تجربة شخصية نجوت ليلة أمس من تداعياتها، لكنها قد تكون بمثابة كارثة جماعية، وكنت أتوقعها طوال سنوات من السفر بين القاهرة؛ حيث أعيش وأعمل، وبين المنصورة؛ حيث أهلي وذكرياتي.

هي تجربة موت، القاتل فيها عمدا هو الإهمال، والمسئول عن الإهمال هو وزير النقل ورئيس هيئة الطرق، ومحافظ الدقهلية، ومحافظ القليوبية، الذين يمر بأرض المحافظتين ذلك الطريق المعوج المبدور بمطبات الموت.

يجرى الآن بعض الرتوش السطحية لإصلاح الطريق البشع القاتل البطيء بين شبرا الخيمة وبنها.. لكن المأساة الحقيقية تقع وستقع لعشرات ومئات السيارات، على طول الطريق بين بنها والمنصورة.. يمكن عد ما يزيد على أربعين مطبا وأنت ذاهب للمنصورة، ومثلها من الناحية الأخرى وأنت راجع إلى القاهرة.. طبعا من طول السفر واعتياد الطريق المقرف المكسر المحطم، حاولت حفظ أعداد المطبات السرطانية وأماكنها، وكنت أتحسب لها، لكن ما أكثر المرات التي أسرح فيها، وأجدني فجأة في مواجهة حوت أسمنتي مستعرض الطريق أمام السيارة، ومهما ضغطت الفرامل، ستلبس ستلبس!

الليلة لبست في الحوت الخرساني الأسفلتي المستعرض قبيل بوابة الحدود بين المنصورة وبداية محافظة القليوبية.. طارت السيارة أعلى جسم المطب الهائل، وهبطت، واتنخعت في السقف، وصرخ مؤشر الزيت في التابلوه!

ربنا سترها معي كالعادة رغم ارتطام رأسي بسقف السيارة، لكن، ألم يمشِ موكب رئيس الوزراء السابق المهندس محلب على هذا الطريق؟، وهو أصلا دقهلاوي، ليفتتح كوبري ميت غمر، وليتابع إنشاءات كوبري أخطبوتي عملاق سيكون مفخرة هندسية عند سندوب بمدخل المنصورة؟!

مضى عليه محلب ومن المؤكد أنه لاحظ بعينه الفاحصة مدى الدمار والخطورة التي صار إليها طريق يخدم محافظات دمياط والقليوبية والدقهلية، وجزء منه مع المنوفية، في وصلة القليوبية القاهرة!

لكنه لم يفعل شيئا.

ألم يسافر المحافظون في هذه المحافظات؟.. ألم يروا؟، ألم يتكلموا؟، ألم يتصلوا يصرخون لوزير النقل أن أنقذ آلاف الأرواح والسيارات من مصائد الموت المنتشرة على طول الطريق؟!

لم يروا بالقطع، ليس لأنهم عمي، بل لأنهم مهملون، إني لأعجب للصمت المزري الذي يلوذ به وزير النقل ومهندسو الطرق، وهم يرون الدماء تنزف على الطريق، والسيارات تتحطم، بينما الأهالي منطلقون بهمة ينشئون كل يوم مطبا أسمنتيا هائلا عند مداخل القرى الواقعة على الطريق!

بالطبع هناك إنجازات هائلة في القاهرة وفي الصعيد بالنسبة للطرق، لكن المنصورة والقليوبية، تعانيان أشد المعاناة من هذا الطريق الذي احتل مكانة رفيعة بين مسببات القتل في مصر، من أمراض ومن إرهاب، ومن إهمال.. إنني أدعو وزير النقل النشيط، أن يمارس نشاطه، ويطلع على الطريق من القاهرة حتى المنصورة، ويمد شوية لشربين ودمياط، وعليه أن يحصي عدد المطبات، وأن يرجع إلينا بالعدد، وأن يسأل نفسه السؤال ذاته الذي يصرخ به كل من ارتطم وانصدم بسيارته أو دراجته النارية في الحوت الأسفلتي المستلقي في استرخاء قاتل: هل هذا يرضي ربنا؟!

هل يهتم الوزير بطرق القاهرة؛ لأن أهل العاصمة لهم ألسنة طويلة ومعهم فضائيات معددة وندابة؟!

هل يرى وزير النقل في أهالي الدقهلية والقليوبية شوية ناس من الدرجة الثانية.. يكفيهم المرور على هذا المدق الصخري المتعرج المنقر المفحت؟!

أدعوك يا وزير إلى رحلة على مدق الموت هذا لترى بنفسك معاناة الأهالي والمسافرين، ولن أدعو عليك باستقبال مطب يحطم سيارتك كما أصاب سيارتي وعشرات من قبلي ومن بعدي!
الجريدة الرسمية