رئيس التحرير
عصام كامل

ما هذا التسيب؟


نحن المصريين لنا ثقافتنا وهويتنا، ولنا أعرافنا وتقاليدنا العريقة.. نعم نحن مصريون، لكننا لا ننسى انتماءنا العربي والإسلامي.. لا ننسى أن مصر كانت دائما وأبدا حصنا للعروبة والإسلام، ولن يأتي اليوم الذي تنسلخ فيه مصر عن عروبتها وإسلامها، وأي محاولات تسعى لإيجاد شرخ بين مصر والعروبة والإسلام سوف تبوء بالفشل..


مصر هي العمود الفقري للدول العربية والإسلامية، إذا نهضت نهض العالمان العربي والإسلامي، ومن هنا كان -ولا يزال - حرص أعدائنا وخصومنا على زعزعة أمن واستقرار مصر، والضغط عليها وإشغالها بمشكلاتها الداخلية.. إلخ؛ حتى لا تتمكن من القيام بدورها المحوري والإستراتيجي، إقليميا ودوليا.. والمصريون - بطبيعتهم وفهمهم الوسطي للإسلام - لن يكونوا بيئة حاضنة للعنف والإرهاب..

نعم قد يقع بعض الشباب في فخاخ العنف والإرهاب، لأسباب متعددة، لكن الغالبية العظمى من الشباب بعيدون عنهما، وتكمن مهمتنا الأساسية في تحصين هذا الشباب حتى لا ينزلق إليهما، وهو الدور الذي يجب أن يتولاه الأزهر، ووزارات الأوقاف والتعليم والثقافة والإعلام، وكل مؤسسات المجتمع المدني من أحزاب ونقابات وجمعيات، فضلا عن علماء النفس والاجتماع. 

للأسف، ما يحدث الآن في مصر من تسيب يمكن أن يؤدي في النهاية إلى سقوط المزيد من الشباب في هاوية العنف والإرهاب.. ومن الأسف أن ينتهز دعاة الحرية - أو بمعنى أدق دعاة التحرر من كل القيم النبيلة - فرصة الموجة العاتية للعنف والإرهاب التي تواجهها مصر، لكي يهيلوا التراب على خصوصيتنا الثقافية وهويتنا العربية والإسلامية.. وتحت مظلة حرية الرأي والإبداع يسعون بإلحاح مريب لإزالة وإزاحة أي ضوابط فكرية أو ثقافية أو أخلاقية، حتى تتحول حياتنا إلى مرتع خصب للإباحية والعبث والمجون، ناهينا عن الجرائم البشعة التي تُرتكب.

محاولات دعاة الفتنة لا تتوقف ولا تنتهي، سواء في الإعلام أو في السينما.. لا يكفيهم أطفال الشوارع، وما يرتبط بهم من جرائم شذوذ ومخدرات، وقتل.

هؤلاء لا يدركون أنهم ينفذون مخططات الغرب في انهيار مجتمعنا من أساسه.. لذا، دعونا نقرر ابتداء أنه لا توجد حرية مطلقة، وإلا صارت فوضى، وأن أي حرية لها مساحة تختلف من مجتمع لآخر تبعا للخصوصية الثقافية لهذا المجتمع أو ذاك.. حتى في أكثر المجتمعات "حرية"، سوف تجد قيودا وضوابط.. إن الحرية ليست حرية الابتذال أو الانحراف أو العبث أو المجون، إنما الحرية في أن تمارس حقك في النقد والتعبير والتنقل والسفر والتملك والتظاهر والاجتماع في إطار النظام العام للدولة.

للأسف، أصبح المجتمع في حالة سيولة، لم يعد له شكل واضح، واختلط فيه الحابل بالنابل.. الوازع الإيماني والأخلاقي تراجع إلى درجة غير مسبوقة، وكاد يختفي.. أصبح الحد بين الحلال والحرام ضبابيا.. لم يعد أحد يهمه إن كان ما يفعله حلالا أم غير ذلك.. التدين المغشوش صار صفة عامة، والرشوة هي الوسيلة والأداة الناجعة لتسيير أي عمل أو مهمة، والفساد انتشر وتغلغل في جسد وأحشاء المجتمع، وحوله إلى حطام غير قادر على النهوض والنمو.. العدالة الناجزة تبحث عن مكان لها، وتغييب القانون في حالة احتضار، والإهمال الجسيم أصبح سمة مميزة.. ولا شك أن هناك ارتباطا وثيقا بين التسيب من جهة وبين كل هذه العوامل من ناحية أخرى، وأن كلا منهما يغذي الآخر، ويعتمد عليه.. فالفساد والرشوة وتغييب القانون.. إلخ، هو الجو الذي يترعرع فيه التسيب، والعكس.

إن أمريكا وأوربا لم تحققا تقدمهما العلمي والتقني من خلال التردي والتدهور الأخلاقي الذي تعاني منه الآن، الذي يوشك أن يعصف بهما وبمكتسباتهما، إنما تحقق بالعمل والإنتاج والإتقان، وما يستلزمه ذلك من الكفاح والنضال والهمة والعزم والإرادة والتصميم والتخطيط، وهو طريق النهضة والتقدم والنمو.

من حق الشعب المصري، بل من حق الشعوب العربية والإسلامية، على رئيس الدولة عبد الفتاح السيسي، أن يحافظ على القيم الأصيلة للمجتمع المصري، وأن يضع من الضوابط ما يمنع أي انحراف أو تجاوز.. هذه هي مسئوليته الكبرى أمام الله تعالى وأمام الشعب.. وهي مسئولية مجلس النواب أيضا، من خلال دوره الأصيل في الرقابة والتشريع، فهل هو قادر على تحقيق ذلك؟

دعونا نحلم (!)
الجريدة الرسمية