رئيس التحرير
عصام كامل

بريطانيا والإخوان.. خطوة ناقصة


لعل من الإيجابيات المبشرة بقرب إعلان نهاية "الإخوان"، تزامن التقرير البريطاني ضد الجماعة، مع حدوث انشقاقات واستقالات بالجملة في صفوف الجماعة الإرهابية، ما ينبئ بأنها باتت على شفير الانهيار.


وقبل التطرق إلى تقرير لندن، لا بد من التوقف عند خلافات قيادات الجماعة وشبابها، ما أدى إلى إقالات وعزل متبادل بينهما، تبعته استقالات توالت حتى بعد صدور تقرير لندن، فقد زادت الخلافات بعد إطاحة المتحدث الإعلامي لجماعة الإخوان محمد منتصر، وتعيين طلعت فهمي بدلًا منه، حتى بلغ عدد المستقيلين نحو 30 شخصية قيادية، لعل أبرزها أيمن عبد الغني زوج ابنة خيرت الشاطر.

الخلاف الحاصل في الجماعة الإرهابية بين جيلين مفصلي، يمثل الشباب أحد طرفيه، وهؤلاء يريدون التهدئة مع الدولة ووقف مظاهر العنف، وهذا ما يرفضه الجيل القديم وعجائز الجماعة، فعندما تحدى الأمين العام للإخوان محمود حسين، شباب الجماعة وقلل من رؤيتهم ونظرتهم للصراع الراهن مع الدولة، رفض المتحدث الإعلامي باسم "الإخوان" محمد منتصر، تلك التصريحات، ليأتيه الرد من قيادات الإخوان في الخارج بعزله من منصبه وتعيين فهمي بدلا منه، لكنه رد على ذلك بقرار عزل حسين من منصبه كأمين عام للجماعة، وتعيين أمين عام بديلا من أصحاب الرؤية المستقبلية دون الكشف عن اسمه؛ لدواعٍ أمنية.

وأيا كانت هوية الأمين العام الجديد، فمن المؤكد أن الاستقالات والانشقاقات التي تحدث بين الحين والآخر تؤثر كثيرا على وجود الجماعة وصورتها، خصوصًا أن لها فروعًا في عشرات الدول، باعتبار أن فرع "إخوان مصر" هو الأهم والأساس.. فالواقع الحالي يشير إلى وجود أمينين عامين ومتحدثين إعلاميين، فمع أيهما يتعامل بقية "الإخوان" في الداخل والخارج؟!

وعند التطرق إلى تقرير لندن، نجد أن بريطانيا تأخرت كثيرا في إدراك حقيقة الجماعة الإرهابية، التي تحميها وتوفر لقياداتها الملاذ الآمن، والمنبر الإعلامي للإعلان والترويج لنفسها، كما تمنحها حرية العمل والاستثمار والارتباط بجمعيات خيرية تجمع التبرعات لصالح تمويل العمليات الإرهابية، وتجنيد الناس للانضمام إلى الجماعة.

ربما تأخرت بريطانيا في مراجعة نشاط الجماعة الإرهابية، باعتبار أن الإنجليز هم من احتضن حسن البنا، وأسكنوه وأسرته بالقرب من المعسكرات البريطانية في الإسماعيلية أيام احتلالهم مصر، ثم شجعوه ودعموه لإشهار الجماعة لتصبح بمثابة الوجه المسلم للماسونية؛ لأن المبادئ والأهداف والشعارات التي يعملان من خلالها واحدة منذ العام 1928.

تقرير لندن أثبت أن الجماعة تتبنى العنف من أيام حسن البنا، وأنها تعتنق أفكار سيد قطب التكفيرية، كذلك تحتضن وترتبط علنا بجماعات إرهابية تنفذ عمليات إجرامية وانتحارية ضد المدنيين ويقصدون بها حركة "حماس"، كما أعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، أن التحقيقات بشأن التطرف كشفت عن علاقات غامضة للإخوان مع جماعات العنف والإرهاب، وأن أي علاقة مع "الإخوان" أو التأثر بهم تعد مؤشرا على التطرف، مؤكدا أيضا أنه سيتم تكثيف المراقبة على أنشطة وآراء جماعة الإخوان وأنصارها في الخارج.

لكن لم يقل كاميرون كيف سيتعامل مع قيادات الإخوان ومشاريعهم الضاربة بجذورها في عمق بريطانيا، ولم يشر إلى قطع التعاون الاستخباراتي بين المخابرات البريطانية وجماعة الإخوان الإرهابية، كما لم يكشف عن سبل التعامل مع الجمعيات الخيرية والمنظمات التي ارتبطت بها الجماعة في لندن وتحولت معها إلى شبكة عنكبوتية، يصعب تفكيكها خصوصا في المملكة المتحدة؟!

لا شك أن تقرير لندن يمثل ضربة قاصمة للجماعة الإرهابية؛ إذ أنها فقدت أهم حليف لها في العالم، ما يعجل بإعلان نهايتها، وهذا التقرير من شأنه تشجيع بقية الدول الأوربية على اتخاذ إجراءات مماثلة، ما يسهم في تجفيف منابع تمويل "الإخوان" والقضاء على عملياتهم الإرهابية.

ومع أهمية تقرير لندن يظل بمثابة "خطوة ناقصة"؛ لأنه لم يعلن "الإخوان" جماعة إرهابية رغم كل ما تضمنه من إدانة، وهذا تحديدا يزيد من الشكوك حول صدق نوايا بريطانيا في مكافحة الإرهاب، وأخشى أن يكون التقرير استجابة للضغوط وإرضاء للحلفاء، وحفاظا على المصالح وصفقات بمليارات الدولارات، سيتم إلغاؤها في حال عدم إدانة "الإخوان".
الجريدة الرسمية