مُحَمَّدٌ نبي «البسمة»!
يقول بعض علماء النفس والاجتماع إن البشرية ابتدعت الفكاهة؛ لمواجهة قسوة الحياة، بينما الحقيقة أن «الضحك» آية من آيات الله ميَّز بها أكرم مخلوقاته، بل إنه - عز وجل - قدَّم الضحك على البكاء {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى}، النجم، الآية 43.
ولما كان الإسلام دين الفطرة، فإنه لم يصادر على حاجة الإنسان إلى اللهو والمرح، بل يدعو ويرحب بكل ما يجعل الإنسان بشوشًّا متفائلًا، ويكره الشخصية المتشائمة المكتئبة.
ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأسوة والقدوة الحسنة، فالنبي الكريم - رغم همومه وأعباء الدعوة - لم يكن فظًا غليظًا، بل كان بسّامًا، فلا يُحدِّثُ بحديث إلا تبسم، يمزح ولا يقول إلا حقًّا، يعيش الفطرة البشرية مع أصحابه، فيشاركهم مزاحهم ولهوهم، كما يشاركهم آلامهم ومصائبهم.
والصحابة - رضوان الله عليهم - وصفوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنه كان من «أفكه» الناس، وكان يمازح زوجاته ويداعبهن، فقد تسابق مع أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - فسبقته في المرة الأولى، وبعد مدة تسابق معها فسبقها، فقال لها: «هذه بتلك»، أي «واحدة بواحدة» كما نقول الآن.
ومما يُروى عن مواقف المرح في حياة النبي - وهي كثيرة - أن الضحاك بن سفيان الكلابي كان رجلًا دميمًا قبيحًا، فلما بايعه النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن عندي امرأتين أحسن من هذه الحميراء (يقصد السيدة عائشة) - وذلك قبل أن تنزل آية الحجاب - أفلا أنزل لك عن إحداهما فتتزوجها؟!، وعائشة جالسة تسمع، فقالت: أهي أحسن أم أنت؟، فقال: بل أنا أحسن منها وأكرم، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سؤالها إياه؛ لأنه كان دميمًا.
وقال زيد بن أسلم: إن امرأة يقال لها أم أيمن جاءت إلى النبي فقالت: إن زوجي يدعوك، قال: ومن هو؟، أهو الذي بعينه بياض؟، قالت: والله ما بعينه بياض! فقال: بلى، إن بعينه بياضًا؛ فقالت: لا والله، فتبسم النبي وقال لها: «ما من أحدٍ إلا بعينه بياض».
كما أن من صحابة النبي مَنْ اشتُهِرَ بالميل إلى الضحك والمزاح، ومنهم «نعيمان بن عمر الأنصاري» - رضي الله عنه - فقد روى عنه الزبير بن بكار عددًا من النوادر الطريفة في كتابه «الفكاهة والمرح»، قال: كان لا يدخل المدينة إلا اشترى منها نعيمان شيئًا، ثم جاء به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقول: هذا أهديته لك، فإذا جاء صاحبه يطالب نعيمان بثمنه، أحضره إلى النبي قائلًا: أعط هذا ثمن متاعه، فيقول: «أولم تُهده لي؟»، فيقول: إنه والله لم يكن عندي ثمنه، ولقد أحببت أن تأكله يا رسول الله! فيضحك، ويأمر لصاحبه بثمنه.
وإذا كان المتشددون سوَّدوا على الناس عيشتهم، وحرموا عليهم الضحك واللهو والمرح والمزاح، فإن ما جاء عن نبي «البسمة»، وأصحابه الكرام أحق أن يتبع، شريطة الاعتدال والتوازن، بما يتفق والفطرة السليمة، وبما لا يصل إلى حد الإسراف والتجاوز، فكما كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - «ضاحكًا بسَّامًا»، إلا أنه هو القائل أيضًا: «ولا تكثر من الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب».