عن «ابن عبدالناصر» الذي استشهد أمس في دمشق!
كان جزء من المشهد يقول إن عصابات الإخوان والجماعات الإسلامية تفرض سطوتها بدعم من النظام في أواخر السبعينيات وخصوصًا داخل الجامعات المصرية.. كان عصام العريان ومحيي الدين أحمد عيسى وعبدالمنعم أبو الفتوح وحلمي الجزار وغيرهم وغيرهم من رموز هذه الجماعات وميليشياتها تمنع أي نشاط للقوى الأخرى من المعارض الفنية إلى مجلات الحائط وتمنع بالقوة أي عرض مسرحي أو فني داخل الجامعة بمنطق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بينما لا يكفون ليل نهار عن القول إن "الموت في سبيل الله أسمى أمانينا "!
بينما كان اللصوص في الجزء الثاني من المشهد يسرقون قوت الشعب ويملأون حساباتهم البنكية من شركات ومشاريع الانفتاح الاقتصادي.. كان الهدف فرض سطوة الجماعات الجديدة لتحمي النظام ومظاهر التحولات الجديدة أيضًا بغطاء الدين الذي هو منهم ومن اللصوص بريء بريء.. حتى كبرت هذه الجماعات وكبرت وكبر طموحها لتحاول أن تستولى بنفسها على الحكم وبدأت باغتيال رئيس البلاد!
أما هناك.. وعلى أرض أخرى من أراضي هذه الأمة مشهد آخر مختلف.. ففي فجر يوم من تلك الأيام.. كانت عقارب الساعة تعلن أن اللحظة الحاسمة قد حانت.. الثانية صباحًا بالتمام.. كل شيء جاهز للانطلاق.. الزورق السريع من طراز "زودياك" الشهير ومعداته والأسلحة ورفاق العملية.. عبر مدينة صور بالجنوب اللبناني تنطلق العملية إلى حيث الشمال فلسطين المحتله وتحديدًا مستوطنة نهاريا الشهيرة.. مر الزورق المطاطي السريع بالفعل من كل تحصينات ودوريات ورادارات العدو الإسرائيلي بل الأسطول السادس المرابط بالمنطقة.. وصل البطل ورفاقه إلى ساحل "نهاريا" الحصين بالفعل وحيث الكلية الحربية.. تهبط المجموعة بسلام فجرًا وتصل إلى العمارة رقم 61 في شارع جابتونسكي الذي يحمل اسم مجرم صهيوني شهير..
وهناك تنقسم إلى مجموعتين.. الهدف محدد مسبقًا اختطاف جنود إسرائيليين والعودة بهم إلى لبنان لمبادلتهم بأسرى عرب.. وفي الطريق اكتشفتهم إحدى الدوريات الصهيونية فاشتبكوا معها.. واستطاعوا قتل رقيب من جيش العدو الإسرائيلي اسمه "الياهو شاهار" وبعدها اتجهت إحدى المجموعات إلى بيت عالم ذرة صهيوني يدعى "داني هاران" واقتادوه بالفعل إلى حيث ينتظر الزورق وأثناء العودة تكون أجهزة الإنذار الإسرائيلية قد استدعت آلاف الجنود والضباط وأطبقوا على المجموعتين من كل الجوانب ويستشهد بطلان ويصاب آخر ويبقى وحده يقاتل ليصيب الجنرال (يوسف تساحور) قائد قطاعين مهمين بجيش العدو ويصيبه بثلاث طلقات وتخفي الأجهزة الأمنية الخبر لكن تأتي اعترافات ساحور فيما بعد لتكشف ما جرى ويقول عبارته الشهيرة إنه لن ينسى أبدًا وجه العربي الذي أمطره بالرصاص!
وتنتهي المعارك بعد ساعات مخلفة 6 قتلى من جيش العدو و12 جريحًا بعضهم كان في حالات خطرة وأصيب هو بخمس طلقات وتم القبض عليه هو وزميله البطل أحمد الأبرص بينما استشهد عبد المجيد أصلان ومهنا المؤيد!
مرت ثلاثون عامًا بالتمام والكمال على العملية الكبيرة التي تمت في فجر 22 أبريل عام 79 لتنتهي مفاوضات طويلة بالإفراج عنه في صفقة جديدة لتبادل الأسرى، لكنه كان قد حمل لقب عميد الأسرى العرب في سجون الاحتلال الصهيوني قيل إنه عانى فيها من تعذيب لم تعرفه البشرية ! خرج قبل سبع سنوات وقد تعدى السادسة والأربعين ! نعم.. فقد قام بالعملية وقد تجاوز الـــ16 عامًا بقليل.. الإفراج تم في عام 2008..
وخلال سبع سنوات أبى أن يهدأ أو يهنأ بما تبقى من عمره وقد قضى ثلثيه أسيرًا سجينًا فنذر بقية حياته للدفاع عن قضايا أمته العربية ووصل إلى دمشق لقتال الإرهابيين والدفاع عن سوريا.. لكن دولة العدو المجرمة لم تنس موقعة "نهاريا" التي قادها البطل والتي أطلقوا عليها اسمًا كوديًا هو "عملية الزعيم جمال عبد الناصر" ـ
وقد كانت صورة الزعيم بالفعل في استقباله عند الإفراج عنه وقبلها واحتضنها في لقطة شهيرة ليجدد السير على درب الزعيم الخالد، وتتبعته أعين الغدر والخسة والخيانة ليستشهد فجر أمس الأحد في غارة إسرائيلية على حي "جرمانا" بدمشق لتصعد روحه الطاهرة إلى بارئها وليهنأ بالشهادة راضيًا مرضيًا وليرتاح أخيرًا سمير القنطار الذي ـ بالفعل ـ ولد في لبنان وسجن في فلسطين واستشهد في سوريا ! ليضرب مثلا خالدًا على الجسارة والتضحية والفداء وليحفر لنفسه في تاريخ أمته سجلا من نور وليبقى في ضمير أمته آلاف السنين وأعمارًا فوق عمره القصير..
وداعًا يا بطل.. وداعًا جيفارا العرب.. وداعًا ابن العروبة البار.. وداعًا سمير القنطار.. وإنا لله وإنا إليه راجعون..