سأقود موتوسيكلا (2)
كانت حصص الكود أو الكتاب الخاص بإشارات وتعاليم قيادة السيارات، تستنفد ساعتين يوميا من وقتي، إلا أنها لم تمنعني من التفكير ليل نهار في فشلي في قيادة الموتوسيكل حتى في أحلامي، كنت أراني أقوده وأذهب إلى عملي به وأعود محملة بمشترواتي دون معاناة، ويلح علىَّ الحلم كل مساء وأنا أعد 300 سلمة أصعدها حتى أصل أسفل بيتي متقطعة الأنفاس وصورتي وأنا أقود الموتوسيكل تطاردني كوعد بإيقاف هذه المعاناة اليومية.
بعد إلحاح من ابني اشتريت له دراجة لعمر عشر سنوات، واعترض عليها لأنها كانت أكبر من أعوامه الثمانية، لكنني كنت مصرة فقد عقدت العزم على قرار في نفسي.
في صباح الأيام الأولى من شهر رمضان في هذا العام، كنت أحمل الدراجة الساعة السادسة صباحا إلى حديقة الأطفال المجاورة لأتعلم قيادتها فقد تفتق ذهني في أن مشكلتي تنحصر في عدم قدرتي على حفظ توازني، وكانت لحظات سقوطي أثناء محاولاتي قيادتها تصادف أحيانا مرور كبار السن مع كلابهم، وحين تلتقي عيوني بعيونهم أبتسم وأقول بتعلم عجل بعد الثلاثين، فيبتسموا ويرفعوا أيديهم بإشارة تشجيع، ولعل هذه الابتسامات التشجيعية كانت أحد أسباب نجاحي بعد ثلاثة أيام في قيادة الدراجة، بعد أن نجحت قبلها في انتزاع أحاسيس الخجل من تعلمها في عمري هذا، ولم أنس في كل مرة أن أتمتم بكلمات غاضبة وأتذكر ابنة عم حسانين المطبلاتي، التي طلبت منها وعمري ست سنوات في بلدتنا الصغيرة في مصر، وهي تكبرني بعشر سنوات، أن تساعدني على ركوب دراجتي الصغيرة فدفعتني عمدا بعنف حتى كسرت الدراجة.
ونحن أطفال لا نرى إلا ما حرمنا منه، ولا نرى ما أعطانا الله، فقد حزنت ابنة عم حسانين لامتلاكي دراجة رغم حرماني من أسرة، غارت لفقرها المادي وتمتعي بألعاب صغيرة، ولم تر فقري في أب وأم وأشقاء، لم تفهم أن فقرها متغير بظروف الحياة وفقري دائم حتى آخر العمر، ومن يومها لم أجد من يصلح لي دراجتي الصغيرة التي بكيت لأجلها كثيرا، ولولا فعلتها هذه لقدت الموتوسيكل بسهولة أو هكذا تخيلت.
بعد أسبوع عدت إلى مدرسة القيادة مرة أخرى، وحين رآني ريتشارد قلت له أنا اتعلمت سواقة العجل، برافو هايل بس تفتكري ده كفايا، طبعا، أعتقد مشكلتك أنك خايفة، طيب جرب وهتشوف، في نفس الباركينج ذهبنا معا صعدت فوق تلك الآلة التي أصر على قيادتها وتوقفت بلا حراك، فصاح ريتشارد عليكِ أن تتحركي الآن وإلا فانتظار الأتوبيس ساعة أفضل لك من هذا العذاب، إما أن تهزمي خوفك وإما سنغادر من هنا حالا..
يتبع..