رئيس التحرير
عصام كامل

إبراهيم بدران.. إنسان فوق العادة!


ورحل دكتور إبراهيم بدران، الرجل الذي يعد من أعظم رجالات مصر، علما وخلقا وعطاء وإنسانية، دكتور إبراهيم بدران يعرفه جيلي من السبعينيات، فهو الرجل القامة والقيمة التي تشرف أي إنسان أينما وجد، فقد شغل في حياته العديد والعديد من المناصب، ولكن كان دائما اسمه يضيف إلى المنصب وليس العكس، حصل على بكالوريوس الطب والجراحة 1947، دبلوم 1948، ودكتوراه في الجراحة العامة 1951، وتوالت نجاحاته، وتولى وزارة الصحة عام 1976، ثم رئاسة جامعة القاهرة 1978، ثم تعين رئيسا لأكاديمية البحث العلمي 1980.


كان عضو الهيئة الاستشارية بهيئة الصحة العالمية بجنيف، عضو المكتب الاستشاري بمكتب هيئة الصحة العالمية لشرق البحر الأبيض المتوسط، وعضو الجمعية الطبية العالمية في بروكسل، عضو المركز الفرنسي للعلوم والطب بباريس.. وغير هذا الكثير من المناصب المحلية والعالمية، لا نستطيع حصرها في هذا المقال، ولكن لا بد أن نشير إلى حصوله على وسام العلوم والتعليم من الجمهورية الفرنسية 1980، وسام الجمهورية من الطبقة الأولى، ووسام جوقة الشرف من درجة فارس في فرنسا 1983، الدكتوراه الفخرية من جامعة المنوفية في فلسفة العلوم 1984، ومن الجامعة الأمريكية بالقاهرة 1988، وسام العلوم والفنون وجائزة الدولة التقديرية في العلوم 1985.

كما قدم عددا من المؤلفات، أبرزها أجزاء في الجراحة العامة، ونظرة مستقبلية للتعليم الجامعي في مصر، ونظرة مستقبلية للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي في مصر.. هذا قليل من كثير عن العالم القدوة عبر الزمان..

ولكن هناك الجانب الأهم الذي كنت شاهدا عليه، الجانب الإنساني لهذا الرائع، بداية تعرفي على هذا العالم من سنوات طويلة، عندما عرضت عليه إقامة حوار حول مستقبل البحث العلمي في مصر، ورحب جدا بالرغم من مشاغله، واقترحت عليه عدة أسماء منها العالم محمد القصاص، ومحمد رءوف حامد جيل أصغر، وحضر اللقاء دكتور محمد يسري، الذي رأس أكاديمية البحث العلمي بعد ذلك، وكانت المفاجأة أنه أعد ورقة عمل مكتوبة وقدمها للحوار، حتى أن الدكتور محمد القصاص قال معلقا على هذه الورقة أشارك فيها دكتور بدران ولا أزيد كلمة واحدة!

صرت أحد أبنائه بعد هذا اللقاء، إلى أن حدثت مشكلة لدى جار الصديق، فقد مرضت زوجته وذهب إلى أحد الأطباء المشاهير، فإذا به يبلغه بأن المرض الخبيث تمكن من ثدييها ولا بد من عملية فورا، وأن التكاليف آلاف الجنيهات، وطبيعي تملكه الحزن لسببين، الأول مرض زوجته الشابة في الثلاثينيات، والسبب الآخر تكلفة العملية التي لن يستطيع توفيرها، قفز في رأسي اسم أستاذنا دكتور إبراهيم بدران، ووافق صديقي على الذهاب له في المستشفى حاملا فقط أوراقا كانت لديَّ خاصة بأستاذنا، كان رائعا أن يتصل بي هو شاكرا المحافظة على أوراقه وفي نفس الوقت طمأن صديقي بأن كل ما قيل ليس صحيحا، وأن المسألة لا تتجاوز "دمل" وسيتم استئصاله، وكنا في شهر رمضان فقال لصديقي: "اعزم زوجتك النهارده على الفطار.. واذهب وعيد وبعد العيد نُجري العملية وستعود معاك بعد 24 ساعة فقط"!!

لم يصدق صديقي وفوجئ بإعادة العشرة جنيهات، وهي قيمة الكشف منذ أقل من 12 سنة، التي كان تلاميذ تلاميذه يحصلون على ضعف هذا عشرين ضعفا، وأُجرِيت العملية بتكلفة 200 جنيه فقط لا غير، والذي أجراها بنفسه هو العالم إبراهيم بدران!

هذه ليست حالة فردية ولكن كان هكذا مع الناس جميعا، وأرسلت إليه العديد من الحالات المرضية، وكان الرد إيجابيا، بل كان يطلب من أي مريض يحتاج أي مساعدة أنه هو موجود وتحت أمره، وسبحان الله هذا العالم الذي عالج الآلاف من المرضى وأجرى الآلاف من العمليات، فارق ابنه الحياة وهو بين يديه، أثناء إجراء جراحة بسيطة له، ولكن بسبب زيادة في جرعة المخدر توفي.. وعندما علم قال "الحمد لله، وديعة الله وأخذها"، وقام وصلى لله طالبا منه الصبر والرحمة لولده، روى هذه القصة أحد أبنائه من الملايين الذين أحبوه!

رحل العالم القدوة.. وستظل أعماله الإنسانية شاهدة على نبوغه الإنساني، وعلى موهبته ووطنيته، وكل شيء جميل كان يمثله، خاصة الإنسانية التي نفتقدها الآن في كل حياتنا!

إلى اللقاء يا من كنت في مكانة الأب!
الجريدة الرسمية