كلام عن السلفيين
حتى الآن فكر السلفيين أزمة إنسانية.. ومشكلة إسلامية!
بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم)، ظلت مدرسة المدينة، التي شكلت نواة «السلفية» على نهجها في التقليد و«التقييد».. ولأنها سلفية، رفض أغلب فقهاء المدينة، ما ابتكره فقهاء مدرسة الرأي في العراق من فلسفة وتحرير واجتهاد في أمور الدين.
لدى أهل المدينة، أُغلِق باب الاجتهاد في القرن الرابع الهجري.. أصبح كل ما يخالف المشهور من السنة وأسانيد الحديث وتفسيرات القرآن وفق اجتهادات الصحابة الأوائل، خروجا على الدين لدى أهل المدينة، بينما لدى مدرسة الرأي في العراق الأمر كان مختلفا.
لذلك، خرجت من العراق كل حركات التجديد الديني، منشئة علوما كثيرة، وتخاريج دينية أكثر.. وتحريرا للمسائل أوسع وأرحب.. مدرسة العراق رفضت التقليد.. رفضت قبول كل المنقول من السنة النبوية دون التيقن أولا من أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قد قاله.
على عكس "سلفية المدينة"، تحسب فقهاء العراق وفحصوا واحترزوا ثم نقضوا غالب ما جاء من مدارس «السلفية».. وصلوا إلى أبعد مدى.
فشهر عن الإمام الشافعي مثلا، رفضه التسليم بكل ما نقله أهل المدينة من حديث.. وشُهر عنه أيضا، تأكيده الاعتقاد في صحة حديث نبوي، وترك باقي الأحاديث.
خوَّف الإمام الشافعي من تسلل اللامعقول إلى المنقول من السنة، قابله فيضان في المدينة من تداول كل ما شُهر أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قد قاله، ولو دون التأكد مما إذا كان (صلى الله عليه وسلم) قد قاله فعلا أم لا.
في كتابه الموطأ، قال الإمام مالك (فقيه المدينة) إنه جمع كل ما نمى إلى سمعه من حديث نبوي، بصرف النظر إن كان صحيحا من عدمه.
كتب "مالك" في مقدمة الموطأ: «ضم كتابي هذا مع الصحيح الضعيف والمشهور والمرسل»، والثلاثة الأخيرة أنواع لا تأخذ بها غالب مدارس الفقه الإسلامي.
ومن المدينة، شُهِر عن الإمام أحمد بن حنبل «أستاذ ابن تيمية السلفي» عمله بالحديث الضعيف وتفضيله على الاجتهاد وإعمال العقل.. قال ابن حنبل: «الحديث الضعيف أحب إليَّ من الرأي»!
ماذا عن السلفيين الجدد؟
لا شيء أكثر اختلافا.. لم يقدموا أي بوادر حسنة تشير إلى تفهمهم أن ما مضى يجب تصحيحه.. ولا هم هيأوا ما يمكن أن يحسّن صورتهم لدى الذين يرونها تزداد قتامة.
منهج أهل السلف هو هو.. هم يرفضون التجديد، ويتصلبون في الرأي، ويفسدون في الاستدلال، ويميلون إلى الغلظة في فهم الآيات والنصوص ومقاصد الله من شريعته.
أهل السلف هم أهل السلف.. جدد قدامى.. المشرحة مليئة بالجثث.. لو فتحت كتبهم، ستموت من الضحك، ثم تموت من الخوف.. أو تموت بسلاح واحد فيهم جزاء ضحكك عليهم!
