رئيس التحرير
عصام كامل

خطاب الأحزاب الخشبي !


تتغير الأحوال وتتبدل، ويشب عن الطوق الصغير ويصير كبيرا، وتبرز كيانات ويصعد نجمها إلى السماء، ويعيد الفاهم والواعي حساباته، ويدرك السياسي ظروف الواقع ويستشرف متغيرات المستقبل، إلا خطاب الأحزاب السياسي.. لا يتغير ولا يتبدل، ولا يتعرف على متغيرات الواقع.. هو كما هو.. كلمات مكررة.. جامدة.. كليشهات محفوظة تتردد على ألسنة قائليها بلا مراجعة أو خجل!


كنت في حلقة تليفزيونية على الفضائية المصرية، موضوعها الانتخابات البرلمانية في مرحلتها الثانية (تقييم ورؤية مستقبلية للبرلمان الجديد)، وكان يشاركني الحوار قيادتان بارزتان في حزبي الوفد والتجمع، ورغم أن أيديولوجية الوفد والتجمع مختلفتان إلا أن خطابهما كان واحدا لتبرير تراجع الوفد في المرحلة الأولى وفشله في حصد أصوات الناخبين لمرشحيه، حيث حصل على عدد مقاعد لا تتناسب مع كونه حزبا عريقا وقديما وصاحب برنامج، وكذلك تبرير فشل التجمع في حصد أصوات لمرشح واحد في المرحلة الأولى!

ساق الضيفان نفس المبررات التي نسمعها من زمن بعيد، قبل التغيير وقبل 30 يونيو.. الدولة لا تساعد على تقوية الأحزاب.. قوانين الانتخاب لا تشجع الأحزاب.. منع العمل الحزبي في المجتمعات النظامية كالجامعات والنقابات.. التضييق علينا في عمل المؤتمرات الشعبية.. محاصرتنا في مقراتنا.. استهداف الإعلام لنا واتخاذ منهج عدائي ضدنا.. برامج التوك شو تقود حملة ترفع شعار فشل الأحزاب.. انتشار المال السياسي وشراء الأصوات، والجديد هو شراء المرشحين واختطافهم من الأحزاب.. مساندة الدولة ودعمها لبعض التيارات والقوائم.. رجال المال والأعمال يحشدون أنصارهم من مصانعهم وشركاتهم.. إلخ..إلخ

في الحوار، لم أسمع من أي منهما مجرد تبرير يخضع لمعايير عقلية، وعندما قلت إن هذا الخطاب العدمي الذي تخاطبون به الناس هو ما يجعل الناخبون ينفضون من حولكم، وهذه المعادلة الصفرية التي تضعونها أمام الناخب لن تشجعه على أن يأتي بكم إلى البرلمان القادم.. كان ردهما نفس الخطاب ونفس الكلام، وأنني بصفتي الصحفية أتبنى نفس الخطاب الممنهج ضدهم، وأنني ضمن الحملة العدائية ضدهم!

قلت لهما إن الدولة في هذه الانتخابات لم تتدخل أو تمارس أي نوع من التزوير الذي كان يحدث قبل ذلك، وإن هذه الممارسات انتهت إلى غير رجعة، وافقاني على ذلك، لكنهما أكدا أن التزوير في الإرادة وشراء الأصوات يتم بمباركة من النظام لأنه لا يريد معارضة حقيقية في الحكم.. يعودان من جديد للخطاب الخشبي وتعليق فشل الوصول للناس على شماعة الدولة، والغريب أنهم يطلبان من هذه الدولة وهذا النظام بعد اتهامه بذلك مساعدتهم وتقويتهم!

قلت لهما إن مشكلتنا أن لدينا حياة حزبية بلا أحزاب حقيقية، ولدينا أحزاب بلا حضور حقيقي في الشارع، ولدينا أعضاء في الأحزاب بلا تأثير على المواطنين، ولدينا برامج متشابهة في كل الأحزاب، بلا خطوط فاصلة أو رؤية واقعية تقبل التطبيق، والأهم من كل هذا أنه ليس لدينا حزب واحد يسعى للوصول إلى السلطة من كل الأحزاب التي تملأ الدنيا ضجيجا بلا طحن، وتسعي فقط لحجز مقعد وهمي باسم المعارضة، وتستريح عندما تجلس لتلقي بالحجارة على كل شيء من خندق المعارضة!

قلت لهما إن الأحزاب لم تستطع حتى اغتنام الفرصة بعد يناير، وبعد أن تحولت الحرية إلى فوضى عارمة في البلاد وأصبح كل شيء بلا سقف، ولم يمنع أحد أحدا من عمل مؤتمرات وندوات وقول ما قال مالك في الخمر، ومع ذلك كان الرد أيضا نفس العبارات والكليشيهات القديمة التي لا تخلو من رغبة في الرضا بحالة الفشل والبحث عن شماعات.

الشاهد أن الحياة الحزبية والسياسية في مصر بعافية، وعلينا أن نعترف بأن العيب فيهم وليس في المناخ الذي يتحدثون عن فساده، فهم يطالبون بالديمقراطية وتداول السلطة ويمتنعون عن فعل ذلك في أحزابهم، والدليل الخناقات والانشقاقات المستمرة في هيئاتهم العليا وتصدع جمعياتهم العمومية بانتقال الأعضاء من حزب لآخر طوال الوقت حسب المصلحة الذاتية.. ويطالبون بحرية الرأي والتعبير ولا يقبلون رأيا مخالفا، ويتمترسون وراء خطابهم الخشبي طوال الوقت.. رغم تحالفهم مع خصومهم للفوز بمقاعد البرلمان بالدخول في قوائم يعترضون عليها!

نعيب زماننا والعيب فينا.. وعندما تتصالح المصالح لا تحدثونا عن المبادئ، يرحمكم الله.

الجريدة الرسمية