رئيس التحرير
عصام كامل

نفاق السيسي سنة أم فرض؟!


تطاردني من طفولتي بعض الصور الغريبة والمدهشة، في الستينيات، الفترة التي هزت مصر والعالم هزا، كان الزعيم جمال عبد الناصر رجلا يحترمه العالم، يعمل له ألف حساب، سواء الغرب الذي يخشاه أو الشرق الذي وجد ضالته في قيادة قوية تضمن الوجود للدول الشرقية في الشرق الأوسط، هذا لم ندركه أو نعرفه كأطفال، ولكن من كثرة ما نسمعه من الكبار، رسمنا أو رسمت صورة في خيالنا للرئيس جمال عبد الناصر، ناهيك عن أن أسماء جمال تزايدت حبا وعشقا وإيمانا بالرئيس الملهم..


أعود إلى الصورة التي رُسِمت في خيالنا كأطفال، أن جمال عبد الناصر ليس بشرا، فهو يمكن أن يعبر البحر بنصف خطوة، هو أيضا تكاد رأسه تلامس السحاب، والغريب أو الطريف أننا كنا نتسابق في رسم صورة لأحد العمالقة الذي لا نظير له ولا مثيل إلا في عصر سيدنا سليمان، ربما لولا نكسة 5 من يونيو 67 لترسخت الصورة التي نمت وترعرعت في خيالنا كأطفال، ولا بد أن نعترف بأن من أهم أسباب هذه الصورة الخيالية أو التخيلية هو الحب الجنوني من الكبار للزعيم، والحقيقة كان لهم حق، خاصة ونحن نعيش في بيئة ريفية، والمعروف أن الفلاح كان من أبرز إنجازات ثورة يوليو تمليكه للأرض بعد أقل من 90 يوما من قيام الثورة، من المؤكد أن عبد الناصر لم يطلب من أحد أن يضعه في مرتبة الأنبياء، أو أحد العمالقة، وعندما رحل كتب نزار قباني عنه "مت يا آخر الأنبياء"!

ولأن "الغرض مرض" كما يقول المثل الشعبي الذي نردده عندما نقاوم الحقيقة بالعناد والكذب ومحاولات التدليس على الواقع، ابتسمت عندما قال لي أحد الأصدقاء إن هناك ندوة في الصالون الثقافي لحزب الوفد، الهدف منها عقد مقارنة بين "السيسي والناصر صلاح الدين وأوجه الشبه بينهما"، وفي السياق يؤكد الصالون أنه لا توجد أي أوجه شبه بين عبد الناصر وصلاح الدين الأيوبي!

اندهشت من المقارنة بين الناصر صلاح الدين والسيسي، من حيث الظروف السياسية واحتلال الأوربيين بيت المقدس تحت ستار الصليب، وأنهم جاءوا لتخليص المسيحيين من بطش وهمجية المسلمين، كان الناصر صلاح الدين هدفه الوحيد تحرير الشام واستعادة بيت المقدس من الاحتلال الأوربي، هذا الهدف ليس في أجندة الرئيس السيسي، كان العداء بين عالمين الأوربي المسيحي والعربى الإسلامي، وحتى مصطلح العربي لم يكن موجودا في ذلك الزمان، صلاح الدين كردي مسلم، صلاح الدين أدواته ليست كما هي الآن، فقط الهدف البعيد هو إزاحة عبد الناصر من التاريخ وتشبيه البعض له بصلاح الدين، وهذا يفسر العداء الكامن من الوفد لثورة 23 يوليو، ولا أستطيع أن أنسى حملة حزب وجريدة الوفد في منتصف الثمانينيات ضد عبد الناصر، وأن بناء السد العالي جاء بالخراب على مصر، وأنه مشروع فاشل، ويكفي أن مصر بسبب تمويل السد العالي تم تأميم القناة، ما تسبب في العدوان الثلاثي 56، ولولا مشيئة الله وإنقاذ السد العالي مصر من الجفاف في نهاية الثمانينيات وبعد ذلك تم اختياره على مستوى العالم كأهم مشاريع القرن العشرين، لولا هذا لصدق البعض أكاذيب الوفد، حزبا وجريدة.

الأمر الأخير بعيدا عن البشر العاديين، فقد أعلن الشيخ علي جمعة أن الأرض التي دفن فيها سيدنا رسول الله أشرف من الكعبة!!.. لا أعرف ما هي أهمية إثارة هذا الموضوع؟.. نعرف أن دم المسلم أفضل من الكعبة عند الله، فلماذا أقول العرش؟، مع العلم أن هذه قضية لا علاقة لها مطلقا بالإيمان الصحيح، وأتصور أن مثل هذه القضايا هي البدع التي حذرنا سيدنا رسول الله منها، مثل ما أثاره موقع إنجليزي من أن السيد المسيح عليه السلام شعره مجعد وعيناه داكنتان ولحيته سوداء حسب أحدث التقنيات!!.. ما قيمة أن نختلف في هذه القضايا؟؟

نلاحظ معا أننا نصنع أحيانا قضايا من الفراغ الذي نعانيه، ولا يوجد مشروع حقيقي لدى كل منا أو لدى المجتمع، ويا قلب لا تحزن من جعل عبد الناصر نبيا إلى السيسي صلاح الدين ومرورا بقبر الرسول ولحية المسيح.. كلها قضايا غير مفيدة على الإطلاق، وكأننا نتعمد اختيار كل ما يلهينا عن العمل والعلم والبناء، وأخشى من كثرة المزايدات التي تحدث لنفاق السيسي، وللعلم لا يحتاج إلى منافقين ولكنه نتاج عقول وسواعد، نحن من نصنع حكامنا إذا كانوا فراعنة وعظماء أو فسدة وخونة!

أتمنى ألا أُفاجأ بإثارة قضية: نفاق السيسي سنة أم فرض!؟
الجريدة الرسمية