رئيس التحرير
عصام كامل

فزاعة يناير


لا للتهويل من شأن الحملات الإعلامية، التي بدأتها منذ شهور، جماعة الإخوان ومن يدور في فلكها من جماعات، للإيحاء بأن الثورة قادمة يوم ٢٥ يناير القادم.. ولا للتهوين من خطورة عدة أحداث رافقت تلك الحملات في مقدمتها تظاهرات طلاب الإسكندرية التي رددت هتافًا ضد الدولة وهتافات معادية للجيش المصري الذي يحمي الدولة.


لقد توقفت التظاهرات في الجامعات منذ أكثر من عام، ويأتي انطلاقها من جديد من جامعة الإسكندرية في محاولة «لجس النبض»، وقياس ردود أفعال الإدارة في التصدي لها، وهو ما لا بد أن يؤخذ على محمل الجد؛ لأن مصر ليست على استعداد لتحمل عمليات التخريب التي جرت من قبل في معظم جامعاتنا، ولم تقتصر على التكلفة المادية التي جاوزت ملايين الجنيهات، لإصلاح ما أفسده طلاب الجماعة، إنما امتد تأثيرها إلى العالم أجمع، ليعطي انطباعًا بأن الدولة المصرية غير قادرة على توفير الأمن لمواطنيها، كما كان لها تأثيرها فى سلوك الطلاب تجاه أساتذتهم الذي تميز بالعنف وعدم التقدير.

ولا يمكن تجاهل ما أصاب العملية التعليمية داخل الجامعات من تعثر بسبب الفوضى العارمة الناتجة عن تلك التظاهرات، لذلك تبدو تظاهرات طلاب جامعة الإسكندرية محاولة لاستعادة المشاهد المؤلمة التي كان لها نتائج بالغة السوء على الاستقرار.

وما يلفت النظر في تظاهرات جامعة الإسكندرية، رغم محدوديتها، أنها لم تقتصر على طلاب الإخوان وحدهم.. إنما اجتذبت طلابًا من خارج الجماعة، بعضهم يتضامن مع زملاء تم حبسهم بسبب المشاركة في تظاهرات سابقة، ولم تتم محاكمتهم حتى الآن، رغم الجهود التي بذلت من منظمات حقوقية أسفرت عن تشكيل وفد من الشباب لدراسة كل حالة والإفراج الفوري عن كل من يثبت تورطه في استخدام العنف أو المشاركة في أعمال تخريبية، وهؤلاء ستتم إحالتهم للقضاء، للفصل في أوضاعهم.

ولو أن نتائج أعمال تلك اللجنة أعلنت على الرأي العام، لكان ذلك أفضل لأنه سيسد الطريق على جماعة الإخوان التي لم تتوقف عن مساعي استقطاب مؤيدين لها من خارج جماعتهم، ولكن الواضح أن هذا التوجه من جانب أعضاء المنظمات الحقوقية، يجد مقاومة شديدة من جانب بعض الأجهزة الأمنية التي ترى أن استمرار حبسهم يمثل ضرورة لحفظ الأمن.

وإذا كان هؤلاء الطلاب الذين لم يثبت تورطهم في أحداث عنف، يمثلون خطورة على المجتمع، فكان من الأجدر أن تسارع الجهات الأمنية إلى إحالتهم للقضاء ليقول كلمته الأخيرة في حقهم سواء بالعقباب والسجن إذا كانوا يستحقونه، أو الإفراج عنهم ليعودوا إلى أسرهم وجامعاتهم طالما لم تثبت إدانتهم.. وينتفي أي مبرر لاستمرار حبسهم وإثارة قضية لا تتوقف عند حدود الوطن، إنما تشغل منظمات حقوقية عالمية لا ترى أن التظاهر السلمي جريمة تستحق عقوبة السجن.

ومن المؤسف أن بعض الإعلاميين يعتقدون أن الإفراج عن هؤلاء يعكس ضعف الدولة.. وعدم قدرتها على ضبط الشارع المصري.. والخضوع لمنظمات حقوقية سواء كانت محلية أو عالمية.

وهذا الاعتقاد غير صحيح على الإطلاق؛ لأن الدولة القوية لا تخشى تظاهرات سلمية حتى لو كانت معارضة، أما الاستجابة لمطالبات المنظمات الحقوقية العالمية، فلا تعتبر ضعفًا إنما احترام لمبادئ حقوق الإنسان ويحسب لصالح الدولة ومدى مقدرتها على تصحيح الأوضاع الخاطئة، وعدم الانصياع لتقارير أمنية لا تستند في أحيان كثيرة إلى وقائع ثابتة.. إنما على مجرد الشك.

سيمر ٢٥ يناير القادم على خير، وستسقط كل التوقعات التي تراهن على أنه سيشهد أحداثًا خطيرة.. طالما استطاعت الدولة أن تفرق بين جماعة متآمرة وشباب نقي يسعى للنهوض بمصر.
الجريدة الرسمية