رئيس التحرير
عصام كامل

عملية الحفار.. هل تتكرر؟! (2)


أوكل الرئيس عبد الناصر للمخابرات العامة (وكان يرأسها في ذلك الوقت أمين هويدي)، التخطيط لهذه العملية وتنفيذها، على أن تقوم أجهزة الدولة في الجيش والبحرية بمساعدتها.


وتم تشكيل مجموعة عمل من 3 أعضاء في الجهاز، كان من ضمنهم محمد نسيم (قلب الأسد).. وتم تعيينه كقائد ميداني للعملية، ومن خلال متابعة دقيقة قامت بها المخابرات المصرية، أمكن الحصول على معلومات كاملة عن تصميم الحفار وخط سيره ومحطات توقفه.

وبدأ الفريق المنتدب لهذه العملية، في اختيار مجموعة الضفادع البشرية التي ستنفذ المهمة فعليا، بتلغيم الحفار تحت سطح الماء أثناء توقفه في أحد الموانئ الأفريقية، ورغم تكتم إسرائيل لتفاصيل خط السير، فقد تأكد الجهاز من مصادر سرية، أن الحفار سيتوقف في داكار بالسنغال، فسافر نسيم إلى السنغال تاركا لضباط المخابرات في القاهرة مسئولية حجز الأماكن المطلوبة لسفر طاقم الضفادع البشرية.

وفي السنغال، قام نسيم باستطلاع موقع رسو الحفار، واكتشف أنه يقف بجوار قاعدة بحرية فرنسية، ما يصعب من عملية تفجيره، وبعد وصول الضفادع بقيادة الرائد (خليفة جودت) فوجئ الجميع بالحفار يطلق صافرته، معلنا مغادرته للميناء، وكان هذا أمرا جيدا برأي نسيم؛ لأن الظروف لم تكن مواتية لتنفيذ العملية هناك.

واضطر رجال الضفادع للعودة إلى القاهرة، بينما ظل نسيم في داكار، وشهد فيها عيد الأضحى، ثم عاد للقاهرة ليتابع تحركات الحفار الذي واصل طريقه وتوقف في (أبيدجان) عاصمة ساحل العاج.

ومرة أخرى يطير نسيم إلى باريس ومعه بعض المعدات التي ستستخدم في تنفيذ العملية ليصل إلى أبيدجان، ما أتاح له أن يلقي نظرة شاملة على الميناء من الجو، واكتشف وجود منطقة غابات مطلة على الميناء تصلح كنقطة بداية للاختفاء والتحرك؛ حيث لا يفصل بينها وبين الحفار سوى كيلومتر واحد.

وفور وصوله إلى أبيدجان في فجر 6 مارس 1970، علم نسيم بوجود مهرجان ضخم لاستقبال عدد من رواد الفضاء الأمريكيين، الذين يزورون أفريقيا لأول مرة.

فأرسل في طلب جماعات الضفادع البشرية؛ لاستثمار هذه الفرصة الذهبية لانشغال السلطات بتأمين زيارة رواد الفضاء، وحراستهم عند ملاحظة دخول المجموعات، وتوجيه الضربة للحفار الذي يقف على بعد أمتار من قصر الرئيس العاجي (ليكون في ظل حمايته)، وبدأ وصول الأفراد من خلال عمليات تمويه دقيقة ومتقنة.

وتجمعت الدفعة الأولى من الضفادع مكونة من 3 أفراد، هم الملازم أول حسني الشراكي والملازم أول محمود سعد وضابط الصف أحمد المصري، بالإضافة إلى قائدهم الرائد خليفة جودت، وبقى أن يصل باقي المجموعة؛ حيث كان مخططا أن يقوم بالعملية 8 أفراد، وهنا بدأت المشاورات بين جودت ونسيم، واتفقا على انتهاز الفرصة وتنفيذ العملية دون انتظار وصول باقي الرجال، خاصة أنهم لم يكونوا متأكدين من وجود الحفار في الميناء لليلة ثانية، ونزلت الضفادع المصرية من منطقة الغابات.

بعد الاستطلاع الدقيق للميناء، تم وضع الخطة التفصيلية لتنفيذ الهجوم على الحفار، وفي منتصف الليل تماما، بدأت المجموعة في تجهيز الألغام وتعميرها وضبطها، على أن تنفجر بعد ثلاث ساعات من نزع فتيل الأمان، كما جرى تجهيز المعدات وأجهزة الغطس.

واستقل أفراد المجموعة سيارة أجرة، أوصلتهم في الرابعة صباحا إلى منطقة العملية، وغادر الأفراد الشاطئ، واتخذوا خط السير في اتجاه الحفار؛ حيث وصلوا إليه في الساعة الخامسة، لينجحوا في تثبيت الألغام الأربعة، ويعودوا إلى الشاطئ الساعة الخامسة وعشر دقائق.

بعد فترة قصيرة من الراحة، توجهت مجموعة الضفادع إلى الفندق، فجمعوا ما كان لهم من متاع، ثم توجهوا مباشرة إلى المطار، الذي وصلوا إليه في الساعة الثامنة، وهو توقيت انفجار الألغام، وبينما كانت الطائرة المتجهة إلى باريس تستعد للإقلاع، وقبل إقلاع الطائرة من أبيدجان، علم الفريق أن الألغام الأربعة انفجرت في الحفار بين الساعة السابعة والنصف والثامنة والنصف.

السؤال الذي لا تحير إجابته أيا من المصريين: "هل ستتكرر عملية الحفار في الجنوب؟".. هذه المرة نتمنى من كل قلوبنا ألا نجد أنفسنا مضطرين لذلك.
الجريدة الرسمية