خبير المياه العالمي د. مغاوري شحاتة: انخفاض كفاءة شبكات الصرف الصحي «خيبة تقيلة»
- استمرار أعمال بناء سد النهضة يعني وجود مشكلات في التفاوض مع إثيوبيا
"شحاتة" عندما تطرق الحديث إلى الملفات المائية الخارجية، كان واضحًا عندما أزاح كل العبارات الدبلوماسية وقدم شرحًا وافيًا وواضحًا أيضًا للأزمات التي تعاني منها مصر على المستوى الدولي، وتحديدًا فيما يتعلق بأزمة "سد النهضة الإثيوبي"، والبحث عن مصادر بديلة حال تأثر مصر بعد إتمام بناء السد.
وعن كل الأمور السابقة وأمور أخرى كان الحوار التالي لـ"فيتو"..
> بداية.. حدثنا عن رؤيتك حول ما شهده عدد من المحافظات المصرية من تلفيات وأضرار جسيمة جراء الأمطار الغزيرة التي شهدتها الأسابيع الماضية؟
الأمطار الغزيرة التي شهدتها محافظة الإسكندرية مؤخرًا «ظاهرة نادرة الحدوث»، فرغم أن الإسكندرية تتعرض باستمرار لنوات مطيرة خلال فصل الشتاء، إلا أن الأمطار التي شهدتها هذا العام شديدة الاختلاف؛ نظرًا لكميات المياه الكبيرة التي نتجت عنها وهطولها الذي كان مفاجئًا بعض الشيء.
> وما سر هذه الزيادة المفاجئة في كميات الأمطار؟
يرجح البعض أن هذه الأمطار الغزيرة المفاجئة أحد آثار التغير المناخي الذي يُعاني منه العالم أجمع، وأعتقد أن سر تحول الأمطار إلى وسيلة للتدمير في الإسكندرية وعدد من المحافظات يعود إلى قلة كفاءة شبكات الصرف التي تعمل على تصريف مياه الأمطار في هذه المناطق؛ حيث إنها مُصممة لاستقبال كميات محدودة من المياه، وغير مؤهلة لتصريف هذه الكميات الكبيرة، هذا بخلاف وجود احتمالات لقيام البعض بسد بالوعات الصرف، ما تسبب في زيادة حجم الكارثة، لكنني أعتقد أن الإهمال هو السبب الرئيسي في هذه الكارثة أكثر من احتمال وجود مؤامرة.
> من وجهة نظرك.. هل من الممكن أن تتكرر هذه الكارثة في السنوات القليلة المقبلة؟
أعتقد أنه من الصعوبة تكرار هذه الظاهرة خلال السنوات المقبلة، ورغم هذا أرى أن عدم تكرارها في حد ذاته مشكلة؛ لأن هذا سيتسبب في حدوث حالة من الاسترخاء لدى المسئولين في متابعة أعمال صيانة ورفع كفاءة بالوعات الصرف.
> ماذا عن المحافظات المصرية التي تتحول فيها الأمطار إلى سيول مدمرة؟
السيول من الكوارث الطبيعية الأكثر حدوثًا في مصر، وهي كارثة ذات حدين، فلها آثار تدميرية، وفي الوقت ذاته لها مزايا وفوائد يمكن الاستفادة منها، وتشهد مصر كارثة السيول في فصل الخريف، التي تظهر بمعدلات كبيرة وملموسة، وتُعد سلاسل جبال البحر الأحمر من أكثر المناطق المصرية استقبالا للسيول، وذلك على امتداد ساحل البحر الأحمر حتى خليج السويس.
أما عن جوانب السيول الإيجابية، فمياهها لها استخدامات في عدة مناطق في مصر مثل الساحل الشمالى الغربي، فالقبائل العربية أو سكان هذه المناطق يقومون بوضع البذور في الأرض في أماكن تجمعاتهم مع بداية فصل الشتاء وحينما تحدث ظاهرة السيول تنمو البذور، كما يقومون بحفر الصخور كالآبار حتى تتجمع فيها مياه السيول ويستخدمونها على مدى العام، كما أن هناك عملية تجميع للمياه يحدث بشكل طبيعي في الكثبان الرملية التي توجد عليها معظم القرى السياحية، ويعتمد عليها أصحاب تلك القرى في ري الحدائق ويستخدمونها في المساكن، وذلك بعد صناعة آبار صغيرة عمقها 7 أو 8 أمتار لتجميع مياه السيول.
على الجانب الآخر، يكمن خطر السيول الحقيقي في تدمير كل ما يقابلها من مساحات خضراء أو مبان سكنية أو قرى سياحية، ويتوقف حجم الخطر الذي تخلفه وفقًا لكمية المياه وطول الوادي الذي تمر به ونوع الصخور الموجودة فيه.
> كيف يمكن الحد من مخاطر السيول.. وما هي طرق الاستفادة منها؟
يمكن الحد من مخاطرها عن طريق التحكم في مسار السيل بعيدًا عن الأماكن الإستراتيجية أو المهمة أو المباني والقرى السياحية، وتتمثل طرق الاستفادة منها في عمل هرابات وتيارات في اتجاهها وإعادة توجيهها نحو الجهة التي نريدها، وأيضًا يمكن توجيه مسار السيل إلى مستودعات المياه الجوفية لأغراض التخزين.
> البعض يرى أن مياه الأمطار يمكن أن تتحول إلى مصدر بديل يعوض مصر عن أي نقص محتمل في مياه نهر النيل.. تعقيبك؟
من الممكن أن تكون مياه الأمطار عاملًا مساعدًا مع نهر النيل؛ لتوفير احتياجات مصر من المياه، وذلك في حالة الاستفادة منها بطرق سليمة، لكن من المستحيل أن تكون مصدرًا بديلًا عن مياه النيل بأي حال من الأحوال؛ حيث لا يوجد أي مصدر يمكن أن يمنحنا كميات من المياه تعادل أو تعوض ما نحصل عليه من النيل الأزرق أو إثيوبيا، وهو ما يؤكد أن سد النهضة يمثل تهديدًا حقيقيًا لمصر، فمياه النيل أساسية وأي مصدر آخر للمياه لن يعوضها، لذا فإن السد خطر على البلاد والدولة تُعلن هذا بوضوح.
> وكيف يمكننا مواجهة هذا الواقع الخطير؟
لا يوجد أي حل سوى التفاوض على مدة ملء الخزان، وعلى التصريف أو التشغيل السنوي، وأي حلول أخرى لن تؤثر، فهناك من يقدم حلولًا غير مجدية مثل اقتراحات ضرب السد أو هدمه، وللأسف أزمة سد النهضة موروثة، فالسيسي والطاقم الحاكم في وزارتي المياه والري ورثوا هذه الأزمة نتيجة إهمال فترات سابقة، ولولا ما تم خلال هذه الفترات من اتفاقيات ومبادرات لكان من الممكن أن نجد حلولًا حقيقية، وأن يكون موقفنا أقوى في المفاوضات مع إثيوبيا، وأعتقد أن محمود أبو زيد، وزير الري الأسبق، "خربها"، ومع ذلك يدعي أنه قام بحل 90% من هذه الأزمة قبل أن يترك منصبه الرسمي.
> ألا توجد وسائل أخرى أو خطط بديلة لتفادي الآثار الخطيرة لـ"النهضة" على أمن مصر المائي؟
نحاول أن نتصالح مع السودان الجنوبي أو نوقع معه عقود تنفيذ مشروعات بقناة جونجلي أو توسيع مجرى النيل الأبيض، وهي ما تسمى مشروعات أعالي النيل، لكن هناك مشكلات ضخمة جدًا تهدد تنفيذ هذه المشروعات، فالحروب مستمرة في السودان في ظل عدم وجود توافق بين قبائل السودان الجنوبي، فضلًا عن الموقف الذي اتخذه شمال السودان ضد مصر وعدم مؤازرته لها، لذا فإننا في ظروف صعبة وحتى المفاوضات ستتم في ظروف شاقة، وأريد أن أؤكد أن استمرار أعمال بناء السد تعني وجود مشكلات في التفاوض مع الجانب الإثيوبي، خاصة أنهم يملكون الماء والأرض ويصرون بشكل واضح على وضع مصر أمام الأمر الواقع.
> أخيرًا كيف سيؤثر السد الإثيوبي في مصر خلال السنوات القليلة المقبلة؟
ستظهر عدد من الآثار السلبية لسد النهضة على مصر خلال السنوات القليلة المقبلة، فمن المتوقع أن يتأثر الملء، وكذلك سوف يؤثر "النهضة" سلبًا في كفاءة كهرباء السد العالي، ونحن نحاول قدر الإمكان تقليص حجم الخطر الذي يهددنا بسببه.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لملحق "فيتو"