الحاكم بأمر الله.. هل كان مخبولا؟.. ألغى الحج والزكاة وغيّر مواعيد الصلاة.. وأجبر الناس على العمل ليلا والنوم نهارًا.. ومنع الملوخية والعنب والجرجير والأسماك غير القشرية
كانت الدولة الفاطمية من بين الدول الإسلامية التي استقرت بمصر، التي كانت أبقاها أثرا، أوفرها بهاءً، وما زال الجامع الأزهر، بعد ألف عام أثرًا خالدًا، ورمزًا باهرًا لهذا العصر الزاهر، وهذه الدولة الغنية.
ربما كان العصر الفاطمى من بين عصور مصر الإسلامية الأكثر ازدحاما بالمواقف الشائكة؛ ذلك لأن الخلافة الفاطمية، بالرغم مما يحيق بأصولها وإمامتها من الريب، كانت بنظمها الطريفة، ورسومها الفخمة، تنثر من حولها فيضًا من العظمة والبهاء، وتطبع العصر بطابع عميق من روحها الباذخ.
وإذا كان للعصر الفاطمى سحره الخاص، فإن عصر الحاكم بأمر الله، هو أغرب مراحله وأعجبها، وخفت بهاء العصر الفاطمى في تلك الفترة نوعا ما، ولكن ما تمتاز به تلك الفترة من الأحداث العجيبة، والنوادر الشائقة، وما يمازجها من الخفاء والغموض، وما تمتاز به شخصية الحاكم من الأطوار والخواص المدهشة، والنزاعات والأهواء المروعة، والنواحى الفلسفية والإنسانية أحيانًا، ما يسبغ على تلك المرحلة أهمية خاصة.
ولد الحاكم بأمر الله في القصر الفاطمى بالقاهرة، في الثالث والعشرين من ربيع الأول سنة 375 هـ «13 أغسطس سنة 985م»، وخلف والده في الحكم العزيز بالله الفاطمى وعمره 11 عاما، وتولى حكم مصر عام 996م تحت وصية «أبو الفتوح برجوان» التركي، وتكنى بأبى على، وهى كنية أخذها بعد ميلاد ابنه على، الذي تلقب بالظاهر؛ لإعزاز دين الله حينما تولى الخلافة بعد اختفاء أبيه.
ويرى البعض أن الحاكم كان آخر الخلفاء الفاطميين الأقوياء، صوته كان جهوريا، ذا بنية قوية متينة، وكان لحداثته يتمتع بمظهر الجبابرة، مبسوط الجسم، مهيب الطلعة، له عينان كبيرتان سوداوان تمازجها زرقة، ونظرات حادة مروعة كنظرات الأسد، لا يستطيع الإنسان صبرًا عليها، وله صوت قوى مرعب يحمل الروع إلى سامعيه.
اتسمت فترة حكمه بالتوتر، وكان على خلاف مع العباسيين، وكان من نتائج هذا التوتر في العلاقات أن أصدرت الخلافة العباسية مرسوما شهيرا في عام 1011 وفيه نص مفاده أن الحاكم بأمر الله ليس من سلالة على بن أبى طالب، بالإضافة إلى نزاعه مع العباسيين، وانهمك أيضا الحاكم بأمر الله في صراع آخر مع القرامطة.
وكان الحاكم بأمر الله صبيًا، حينما بدأ يضطلع بمهام الدولة على هذا النحو، كما أن هذا الفتى القوى النفس، كان حاكما حقيقيا يقبض على السلطة بيديه القويتين، ويشرف بنفسه على مصير هذه الدولة العظيمة، ويبدى في تدبير شئونها نشاطا مدهشا، فيباشر الأمور في معظم الأحيان بنفسه، ويتولى النظر والتدبير مع وزرائه.
ويعتبر عصر الحاكم بأمر الله من أغرب العصور في تاريخ مصر الإسلامية، وربما كان أغرب عصر في تاريخ الإسلام كله، عصر يمازجه (الخلفاء والروع)، وتطبعه ألوان من الإغراق والتناقض، مدهشة مثيرة معا، ولكن هذه الألوان الخفية المغرقة، وهذه النواحى المتباينة، هي التي تسبغ على العصر أهميته وطرافته، وهى التي تحيط شخصية الحاكم بحجب كثيفة من الظلمات يصعب اختراقها.
بحسب الروايات التاريخية افتتح الحاكم عهد حكمه، بقتل برجوان وصيه ومدير دولته، وكان للجريمة باعث سياسي قوي، فلم تكن يومئذ دليلا على حبه للسفك أو ظمئه إلى الدم، وعنى الحاكم بأن يوضح لنا ظروفها ومبرراتها، غير أن الحاكم ما لبث أن أتبع ضربته بضربة دموية أخرى، هي مقتل الحسن بن عمار زعيم كتامه وأمين الدولة السابق، وكان الحاكم قد حماه من برجوان، وأطلق له رسومه وجراياته، وأذن له بالركوب إلى القصر، ففى ذات مساء، حين انصرافه من القصر، انقض عليه جماعة من الغلمان الترك، كانت هيئت للفتك به، فقتلوه وحملوا ورغم على ما تقدم فإن هناك روايات تاريخية أخرى تنفي عن الحاكم بأمر الله كثيرا مما علق بعصره ويرجهونها إلى الاختلافات والخلافات السياسية التي قد تسيطر على أي عصر رأسه إلى الحاكم في 14 شوال سنة 390، أكتوبر سنة 1000م، ولم تكن للجريمة بواعث ظاهرة، ولكننا نستطيع أن نعللها برغبة الحاكم في سحق الزعماء ذوى البأس والعصبية كما تذكر مراجع تاريخية عدة.
إلغاء الحج والزكاة
ألغى الحاكم بأمر الله ركن الحج لبعض الفترات، ويذهب منتقدو الحاكم إلى أن السبب في هذا القرار هو خوفه من خروج الناس بغرض الحج وعدم عودتهم مرة أخرى إلى مصر، بينما يرجع مؤيدوه السبب في منع الحج للاضطراب السائد في طرق الحج في تلك الفترات.
كما أسقط الحاكم بأمر الله ركن الزكاة، وكان تفسير ذلك على لسان الحاكم نفسه فهو يتهم الأغنياء بأنهم بأدائهم الزكاة عصموا أنفسهم من عوز الفقير وأبرأوا ذمتهم وأصبحت الدولة لا يد لها عليهم، وأنه بإسقاطه ركن الزكاة سمح لنفسه بأن يتدخل ليأخذ منهم ما يريد ليكفى به عوز الفقراء.
تغيير مواعيد الصلاة
في محرم من العام 395 هجريًّا، قرر الحاكم بأمر الله أن يؤذن لصلاة الظهر في السابعة، والعصر في التاسعة، دون إشارة إذا كانت السابعة والتاسعة ليلًا أو نهارًا، ولكنك بقليل من الاجتهاد تدرك أن الصلاتين في الليل؛ لأن هذا القرار كان متزامنًا مع منع الناس من الخروج نهارًا والعمل بالليل، فكيف كانوا سيذهبون إلى الصلاة نهارًا مع قرار المنع؟!
منع بعض المأكولات
منع الحاكم بأمر الله رعيته من تناول بعض الأطعمة بعضها ذُكرت أسبابه، وبعضها غير مبرر وأشهرهم: الملوخية، ويرى البعض أن تحريم الحاكم لها جاء لأنها كانت الغذاء المفضل لمعاوية بن أبى سفيان رضى الله عنه، وكان يكثر منها، ومعروف أن معاوية كان من أعدى أعداء الشيعة باختلاف مذاهبهم، بينما يذهب البعض الآخر إلى أن السبب في منعها هو أضرارها الغذائية، فهى تسبب الكسل والقعود عن العمل، وهذا الاتجاه الأخير فيه مزايدة ومبالغة لا تخطئها العين.
كما منع العنب تجنبًا لصنع الخمور منه، وكان الأجدر به أن ينتظر فإذا تم تخميره يعاقب من قام بذلك بدلًا من أن يمنع فاكهة حلالا، بالإضافة إلى أن هناك فواكه وأغذية أخرى تصنع منها الخمور ولكنه لم يمنعها.
كما منع الجرجير، ويقال إنه منعه لاكتشافه أنه محفز جنسى بمعنى أن تناوله يجعل الناس تستكثر من الجماع، وهذا أيضًا له تأثير سلبى على الإنتاج والعمل، بينما يذهب البعض الآخر إلى أن سبب منعه الجرجير يرجع إلى ما روى عن اهتمام السيدة عائشة به «وهى من هي في نظر الشيعة» فكان هذا كفيلًا بمنعه.
ومنع أيضا المتوكلية؛ لأنه يتضح من اسمها أنها منسوبة للخليفة العباسى السنى المتوكل، وكان عهده من أكثر العهود التي اضطهد فيها الشيعة، وكذلك السمك الذي لا قشر له، ويقال إنه منعه لأنه كان حاملا للأمراض والميكروبات.
ويقول الدكتور عادل عبد الحافظ، أستاذ التاريخ الإسلامى بجامعة المنيا، إن فترة حكم العباسيين اتسمت بالخلاف بين عدة فئات، وأول من اختلف معهم الأمويون؛ لأن الأمويين كانوا قائدين للدولة في بلاد الشام «الخلافة الأموية».
وأضاف «عبد الحافظ»، أن هناك العديد من العناصر التي دخلت على الخلافة العباسية، والخلاف في جميع الأحوال كان هدفه السيطرة على العراق والشام، كما أن العباسيين كانوا يعتبرون أنفسهم من نسل الرسول صلى الله عليه وسلم.
كما أكد الدكتور عادل، أن الحاكم بأمر الله أقدم على أشياء غريبة إبان فترة حكمه كمنع بعض المأكولات، وغيرها من الأشياء، مشيرًا إلى أن الدولة الفاطمية جاءت إلى مصر أواخر القرن العاشر الميلادي، واستمرت إلى ما يقرب من 200 عام، وكان لهم اتجاهاتهم العديدة.
وأشار «عادل»، إلى أن جميع المواسم الدينية المتواجدة حاليًا والمرتبطة بالطعام كأول رمضان، 27 رجب، وليلة النصف من شعبان، وعاشوراء، كان هدفها التقرب للشعب.