رئيس التحرير
عصام كامل

الإمام الشعراوي: الموت الحقيقة المستحيلة!


الموت هو الحقيقة المستحيلة، هكذا قال الشيخ الإمام محمد متولي الشعراوي، ويقول أيضا نرى كل يوم مواكب الجنازات تحمل الأحياء موتى، ولكننا نراه بعيدا أو مستحيلا لكي نلحق بالشخص المحمول على الأعناق في كفنه ونعشه للآخرة، والحقيقة أن العقل احتار وعجز عن فهم أشياء كثيرة ولكن الشيء الذي يقف العقل أمامه مستسلما هو الموت، فهذا يموت طفل وآخر مسن، وثالث شاب، ورابع بلا مرض، وخامس.. وسادس.. إلخ.. لا منطق يمكن للإنسان أن يقنعه أو معيار يضبط عليه العمر وموعد الأجل، وفي النهاية لا نستطيع القول سوى سبحان الله هو الخالق وبيده كل شيء.


الأمر الذي يجعلني كل فترة أكتب عن الموت رسائل من الله سبحانه وتعالى للبشر - لنا - وكثيرا ما نتناساها، وأذكر هنا من القصص القديم أن ملك الموت عندما ذهب لقبض روح سيدنا داوود، قال سيدنا داوود - ما معناه -: هل ممكن تتركني لأستعد للقاء ربي؟.. أجابه ملك الموت بما معناه: لقد أرسل الله سبحانه وتعالى رسائل لتستعد للقائه؟.. فقال سيدنا داوود: لم يصلني شيء!.. فقال ملك الموت: ألم يقبض جارك، وأصدقاء لك، ونفرا من أهلك، وأناسا من بلدك.. أليست كل هذه رسائل لك لتستعد للقاء الله؟!

في الأسبوع الماضي، رحل شقيق أحد أصدقائي وهو عقيد بالقوات المسلحة، نزل إجازة من وحدته بسيناء، وهى من ضمن الوحدات التي تواجه الإرهاب، قرر أن يقضي هذه الإجازة مع والديه المسنين، فذهب للجيم عصرا، فهو يتمتع بجسم رياضي قوي، تناول الغداء مع والديه بعد عودته من الجيم، وصلى المغرب وذهب للسرير لينام، ولكن الحقيقة كان ذهابه إلى لقاء الله، وبدون إزعاج وبهدوء، ذهبوا إليه ليصلي العشاء فاكتشفوا أن روحه عادت إلى بارئها، وانتهى الأمر!

العجيب أن قبل الوفاة بأقل من 48 ساعة كنت مع الصديق الشاعر الشاب أسامة عبد الصبور، شقيق الشهيد وحوارنا عن الموت الذي يأتي في أي لحظة، وأخرج من تليفونه المحمول صورة لشقيقه الفنان التشكيلي صالح عبد الصبور، الذي رحل ولم يتجاوز الـ35 سنة، وهو يسبح في البحر بكامل قوته البدنية وبعد الصورة بـ24 ساعة رحل صالح بدون مرض أو تعب أو ألم!

لا نملك سوى أن نقول سبحان الله.. الشقيقان رحلا بلا مرض وبلا ألم وفي عز الشباب.. لا منطق أو عقل بشر يمكن أن يحلل أو يبرر ولكن الحكمة عند الخالق سبحانه وتعالى وهى رسالة لنا لو لنا عقول!

لا أستطيع أن أنسى أخي مدحت الذي رحل في سن 38 سنة وكنت أكبره بعامين، عندما زف عروسا وعريسا أبناء أصدقائه، وعندما رجع للبيت ليتناول غداءه مع زوجته وقبل أن يتمه، فارق الحياة تاركا أكله وشربه لمن يريد، رحل دون ألم أو تعب أو كلمة آه، وسط حالة الذهول التي أصابتنا، بل إنني أزعم أنني لم أفِق منها بالرغم من مرور 18 سنة، وأخي ماجد الأصغر فينا تناول إفطار رمضان وفسح أبناءه واشترى حلوى ليأكلوها في البيت، ولكنه لم يلحق ليأكل مع أسرته ورحل في دقائق وسط أبنائه، وهناك زكريا الصديق العزيز الغالي الذي صلى التراويح وعاد لزوجته يشكو ألما في جنبه فطلب منها ينسونا، وقبل أن تنتهي من عمله رحل وصعدت روحه لربها!

أذكر قصة مرض أستاذنا الراحل ناصف سليم الذي أصبحت أيامه معدودة بحساب البشر، وكان يستقبل الزائرين في المستشفى شقيقه مقدم الشرطة فوزي ناصف ومقدم البرامج الرياضية في التليفزيون، وكان فوزي وكأنه يتلقى العزاء في شقيقه الأكبر، وسبحان الله يشفى ناصف سليم - العجوز - ويصاب فوزي بالإرهاق وهو في حمام السباحة، وينقل للمستشفى، ويكتشف أنه مصاب بمرض خبيث، وأيام ويرحل الضابط الشاب فوزي ناصف ويأخذ العزاء المخضرم ناصف سليم في درس من السماء لنا، الموت لا يحتاج مبررا أو سنا أو أي سبب ولكن الله فقط من لديه الحكمة لعلنا نفهم.

ناهيك عن الفقراء الذين ينهش الموت كل يوم من عمرهم في كل لحظة، وأمام الموتى نقف عاجزين ولكن علينا أن نعلم أن هذه رسائل كما قال ملك الموت لنبي الله داوود عليه السلام، وفي النهاية أذكر حديث السيدة فاطمة الزهراء لسيدنا رسول الله وهو في فراش الموت عندما قالت: أأنت في كرب يا أبي؟

قال سيدنا رسول الله: لا كرب على أبيك من اليوم!
اللهم اجعل الموت علينا خلاصا من كرب الدنيا واجعلنا في صحبة الحبيب المصطفى، خاصة أننا أيام ونحتفي بذكرى ميلاده.. صلى الله عليه وسلم.
الجريدة الرسمية