عمار الشريعي.. صانع البهجة وقاهر المستحيل!
يمكن لبليغ حمدي أن يلحن لأم كلثوم وهو دون الثلاثين.. ولما لا وقد قدمه إليها ملحن بوزن محمد فوزي!.. ولما لا وهي تبحث عن نغمة جديدة وتحول كبير في مسارها الغنائي.. لكن أن تمر الأيام ويتم اختيار ملحن شاب هو في الثلاثين بالفعل ليضع الموسيقى التصويرية لعمل فني كبير هو مسلسل "الأيام" عن قصة وحياة عميد الأدب العربي طه حسين، ويقوم ببطولته أحمد زكي ويحيى شاهين وأمينة رزق وصفية العمري وعدد كبير من النجوم، ويكون هذا الموسيقار فاقدا لنعمة البصر ولا يقف خلفه أحد بوزن أو أقل من وزن محمد فوزي، فمؤكد أننا أمام موهبة استثنائية!
كان عمار الشريعي رحمه الله، الذي تمر ذكراه الثالثة هذا الأسبوع، كتلة من المواهب اجتمعت في رجل.. كان كتلة من المواهب تسير على قدمين.. لم يكن موهوبا في الموسيقى والألحان فقط.. إنما كان موهوبا في السلوك الاجتماعي؛ حيث كان قادرا على اختطاف قلوب المتعاملين معه عند أول تعامل معه، نتذكر كيف قررنا فريق عمل برنامج ضي الليل في التليفزيون المصري وكنت رئيسا لتحريره، أن يكون ضيفا علينا وخصوصا أن البرنامج اشتهر باستضافة كبار النجوم في كل المجالات، وكيف كان متواضعا مهذبا لعبت زوجته الإذاعية السيدة ميرفت القصاص، دورا مهما في حياته وترك لها هو مساحة كبيرة تديرها بنفسها، باعتبارها الأحرص عليه وخصوصا لظروفه الصحية، وقد أدارتها بكل أمانة ممكنة وبكل إخلاص ممكن.
كما كان موهوبا في تقليد الشخصيات والفكاهة وإلقاء النكتة، كما كان حكاءً من طراز فريد قادر على الهيمنة على آذان مستمعيه، كما كان قديرا في تحليل الأعمال الموسيقية فكان إذاعيا رائعا في برنامجه الإذاعي "غواص في بحر النغم"، كما كان يمتلك فراسة معرفة الناس وفرزهم ربما من أول لقاء أو من أول مكالمة!
يمكن وصف عمار الشريعي باعتباره إمبراطور الموسيقى التصويرية للمسلسلات التلفزيونية وتقريبا بلا منافس.. ليس على مستوى الإبداع وحسب وإنما على مستوى غزارة الأعمال وعددها.. يكفي أن نقول إنه وهو في الثلاثين وبالإضافة إلى مسلسل الأيام نجده أيضا يضع الموسيقى التصويرية لعمل كبير عن رواية لأديب كبير هو فتحي غانم لمخرج كبير هو يحيى العلمي، لنجم كبير هو محمود مرسي ونجمة كبيرة هي سهير رمزي ومسلسل "زينب والعرش"، وفي العام نفسه يضع موسيقى مسلسلات مهمة أثرت في حياة المصريين منها "أبنائي الأعزاء شكرا"، وشهرته "بابا عبده" و"لا يا ابنتي العزيزة" و"مبروك جالك ولد"، ثم ينطلق إلى "دموع في عيون وقحة" و"ليلة القبض على فاطمة" و"رأفت الهجان" و"عصفور النار" و"أبو العلا البشري" و"أم كلثوم" وغيرها من الأعمال الفنية الكبيرة الخالدة التي ستبقى طويلا شاهدة على أحد نوابغ الموسيقى العربية وأحد رموز الفن العربي والمصري وقاهر المستحيل المعاصر بعد طه حسين، من رحلته في بلدته "سمالوط" بصعيد مصر إلى سماء النجومية!
رحمه الله وهو عند ربه لا يبق من مسيرته تراثه الكبير فحسب وإنما سيرة عطرة آثر صاحبها أن يحفر في قلوب الناس وبنفسه نقشا من مكانة كبيرة وبجذور عميقة وسيرة ستبقى ما شاء الله لها أن تبقى!