رئيس التحرير
عصام كامل

من حرّم الخمر.. القرآن أم عمر؟.. القرآن تشدد في تحريمها الخمر وعقوبتها أكبر دليل.. القرآنيون: الإسلام لم يحرمها ووصفها بالرزق الحسن.. والفاروق هو من حَرّمها

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

تزايدت في الآونة الأخيرة الأحاديث والاجتهادات التفسيرية لبعض الجماعات الدينية المختلفة التي تحمل كل منها فكرا خاصا بها، منها ما هو متطرف ومنها ما يفسر الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تبعًا لأهوائه أو لاجتهاداته الشخصية.

وآخر هذه الأقوال، ادعاء الجمعية الدولية للمسلمين القرآنيين التي أسسها العالم الإسلامى التونسى محمد الطالبى عام 2013؛ بهدف تجديد الفكر الإسلامى بالعالم ومقاومة السلفية بأن الإسلام لم يحرم شرب الخمر وأن الفاروق عمر بن الخطاب هو من حرّمها.

وزعمت الجمعية الدولية للمسلمين القرآنيين، في بيان صادر عنها، أن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والآثار المروية في كتب التفسير لم تحرّم شرب الخمر، مشيرة إلى أن الله وصف المسكر بالرزق الحسن، واستشهد بيان الجمعية بالآية 67 من سورة النحل التي قال تعالى فيها: "وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ".
كما استندت الجمعية لتأكيد آرائها إلى بعض الآيات القرآنية الأخرى التي يأمر الله فيها بعدم إقامة الصلاة في حالة السكر، كما يذكر أنّ لها إثما كبيرا وإثمها أكبر من نفعها، مشيرةً إلى أن هذا يفيد بأنّ الخمر إلى جانب إثمها الكبير فيها أيضا منافع، وأن الله يوصى بتجنّبها دون أن يحرّمها بآية صريحة في هذا الصدد، ولو أراد الله عزّ وجلّ تحريمها لاستعمل فعل "حرّم"، كما استعمله في الآيات التي تخصّ الميتة، والدم، ولحم الخنزير.

كما أيد المفكر الراحل المستشار محمد سعيد العشماوي، الذي عمل بالتدريس محاضرًا في أصول الدين والشريعة والقانون في عدة جامعات، منها الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وجامعة توبنجن بألمانيا الغربية، وأوبسالا بالسويد، ومعهد الدراسات الشرفية بليننجراد بروسيا، والسوربون بفرنسا، نفس الفكر، وقال لا توجد أي عقوبة على شربها أو بيعها، لا في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية، ولكن العقوبات تزيد من عدد الجرائم، ولا تجتث الجريمة أصلًا.
ولم تقف الادعاءات عند هذا الحد، بل قال بعض المشككين إن رسول الله خالف ما شرعه لأمته؛ إذ لم يلتزم بتحريم النبيذ بل شربه في سقيفة بنى ساعدة حينما كان يخطب امرأة منهم بل إنه كان يتوضأ منه عند فقد الماء تنزه صلي الله عليه وسلم عن مثل هذه الصغائر.

يقول الدكتور محمد عبد العاطي، عميد كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر: إن الآية 67 من سورة النحل التي استند إليها تيار القرآنيين في بيانهم بعدم تحريم الله سبحانه وتعالى للخمر، كانت في صدر الإسلام، ولم يكن الخمر محرمًا حينذاك.
وأشار إلى أن الله لم يحرم الخمر مرة واحدة ولكن على مراحل، وبدأ بنزول الآية "لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى"، وحرم الخمر أثناء الصلاة فقط؛ لأنه كان يقبل الكثير من المسلمين على الصلاة وبهم شيء من التخبط وعدم الاتزان والوعي، حينها دعا عمر بن الخطاب قائلًا: "اللهم أرنا فيه حكمًا شافيًا"، فانزل الله الآية القرآنية التي تنص على تحريم الخمر على المسلمين وهى "يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون، إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون".

وأكد أن التحريم في هذه الآية لم يكن تحريمًا عاديًا، إنما قال الله تعالى "فاجتنبوه"، فهى أبلغ وأدق في النهى عنه وفى تحريمه.
وأضاف عبد العاطي، أن عقوبة شارب الخمر خير دليل على شدة تحريمها وتحريم التعامل معها، ولعن الله الخمر وشاربها وساقيها ومبتاعها وبائعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه؛ لأنها تذهب العقل الذي كرم الله به الإنسان وميزه به عن الحيوان، مؤكدًا أن العقل أساس كرامة الإنسان وأن الشريعة الإسلامية لها مقاصد عديدة من أهمها حفظ النفس والعقل والنسل والعِرض.

وأشار عميد كلية الدراسات الإسلامية، إلى أن المجتمع الذي ينتشر به بيع الخمر وأماكن شربه وتقديمه يزداد به الموبقات والبغاء وجرائم القتل والاغتصاب وهتك العرض، كما أشار إلى أن دور الأزهر في التصدى لمثل تلك الجماعات حاملة الفكر المتطرف يتمثل في مناقشة تلك النقاط التي يحدث بها التباس بالنسبة للبعض سواء بقصد أو بغير قصد وإقامة ندوات دينية في كل دول العالم لتحصين الفكر ونشر الوعى الإسلامي، ووضع مواد دراسية حديثة قادرة على مواجهة الفكر المتطرف بالحجج الدينية السليمة؛ حرصًا على تنشئة جيل مسلم على التعاليم الدينية الصحيحة بعيدًا عن الافتراءات التي تبث من قبل الجماعات.

وقالت الدكتورة ملك صالح، أخصائية التغذية بالمعهد القومى للتغذية، إن الخمور بشكل عام لها تأثير خطير على صحة الإنسان تصل إلى الوفاة نتيجة تدمير الكبد والكلى من خلال المواد الكحولية التي تحتويها الخمور، مشيرةً إلى أن المواد الكحولية تسبب الفشل الكبدى والكلوي؛ لأن مادة الكحل في حد ذاتها تؤدى إلى تليف الأمعاء والجهاز الهضمى نتيجة تناولها المستمر.
وأضافت أن الخمور رديئة الصنع والرخيصة وهى الأكثر تداولًا في مصر، ينتج عنها أمراض يصعب علاجها وتصيب الإنسان بالضعف والوهن، وتقلل من قدراته الجسدية والعقلية؛ وذلك لاحتوائها على مادة الكحول الإثيلى التي تعتبر من أكثر المواد خطورة على صحة الإنسان، مشيرةً إلى أن الخمور سواء غالية الثمن أو رخيصة الثمن لها أضرار مدمرة، تؤثر على خلايا الكلى والكبد وتصيبها بأمراض مزمنة.

وأكدت أخصائية التغذية، أنه تم تحريم الخمور في القرآن؛ لأنها تضر بصحة الإنسان، بالإضافة إلى أنها تغيب العقل بشكل تام ويمكن أن يصل الأمر إلى أن يصاب الإنسان بالجنون والهلوسة؛ نتيجة إدمان الخمور لتناولها بشكل مستمر.
ونصحت الدكتورة ملك بالابتعاد عن المشروبات الكحولية والخمور بشكل عام، حتى يتجنب الإنسان الأمراض الناتجة عن تلك المواد المميتة التي تتلف الجسم، كما طالبت الجهات المختصة بأن تنشر الوعى الصحى والديني؛ لتجنب المواطن تناول الخمور؛ حفاظًا على صحته الجسدية والعقلية من التلف.
الجريدة الرسمية