رئيس التحرير
عصام كامل

«الحكاية فيها حرز».. الداخلية تحقق في واقعة اختفاء 11 كيلو حشيش واستبدالها بـ«عجوة».. سيارة «هيونداي» تكشف تورط 4 رجال شرطة في الاستيلاء على الأحراز بـ«الإسكندرية

فيتو

"الأحراز" في القضايا المختلفة، العنصر الأهم والأخطر، فهي التي تثبت الاتهام أو تنفيه بشكل قاطع، وبسببها قد يدان بريء أو يفلت مجرم من العقاب، وبدونها لا توجد قضية من الأساس.. لذلك تحرص الجهات المختصة، سواء في الشرطة أو القضاء، على الحفاظ عليها "بحالتها" دون تلاعب أو تغيير، حتى صدور حكم نهائي وباتّ في القضية.


والأحراز قد تكون مواد مخدرة، مثل الحشيش والبانجو والهيروين و"البرشام"، أو أسلحة نارية كالبنادق الآلية والعادية والخرطوش، والطبنجات بأنواعها والذخائر الخاصة بها.

وقد تكون سيارات وموتوسيكلات مسروقة أو استخدمت في ارتكاب جريمة أو مهربة.. وقد تكون مبالغ مالية ونقودا مزوَّرة ومشغولات ذهبية، وأدوات منزلية وأجهزة كهربائية وموبايلات وأجهزة كمبيوتر مسروقة، وغيرها.

تُرى أين يتم حفظ هذه الأحراز ومن المسئول عن تأمينها.. وهل تتعرض للسرقة أو التلاعب.. وكيف يتم التصرف فيها أو التخلص منها.. وهل تسبب التلاعب فيها في تغيير مسار قضايا معينة أم لا؟ هذه التساؤلات وغيرها الكثير يجيب عنها محقق "فيتو" في السطور التالية:

أماكن حفظ الأحراز
بداية، أكد مصدر أمني، رفض الإفصاح عن هويته، أنه يتم حفظ الأحراز المضبوطة في القضايا المتنوعة، في أماكن تختلف حسب نوع القضية والحرز نفسه، فمثلا المصوغات والمشغولات الذهبية والأموال، يتم حفظها في خزائن خاصة داخل المحاكم، وتظل فيها طوال فترة نظر القضية، وتتولى خدمات أمنية مسئولية حراستها، وتكون في عهدة تلك الخدمات وأمناء المخازن، وبإشراف مباشر من النيابة المختصة.

أما المواد المخدرة، بأنواعها المختلفة، والحديث ما زال للمصدر ذاته، فيتم أخذ عينات منها وتحليلها في المعامل الكيميائية التابعة للطب الشرعي، أما باقي المضبوطات فيتم حفظها في مخازن خاصة بالأحراز موجودة في أقسام الشرطة المختلفة، ولا يمكن التصرف فيها إلا بناء على قرار من النيابة العامة، ثم ترسل إلى أماكن محددة تمهيدا لإعدامها بعد انتهاء القضية، ونفس الشيء ينطبق على الأسلحة النارية التي توضع في "غرف حفظ" خاصة ذات حراسة أمنية مشددة، بعد إثباتها في الدفاتر الرسمية وتوقيع مسئول الحفظ عليها بالاستلام.

أما عن السيارات والموتوسيكلات المهربة وغير المرخصة، فأوضح المصدر أنها توضع في ساحات واسعة خارج الكتلة السكنية لكل محافظة، وبالنسبة للقاهرة والجيزة، فتوجد ساحة لتجميع السيارات والدراجات النارية في منطقة الكيلو "عشرة ونص"، وهذه الساحات تتم حراستها بمعرفة الأجهزة الأمنية، وأمناء حفظ يوقعون عليها بالاستلام، وفي الغالب تكون الحراسة غير كافية وتتم سرقة أجزاء من تلك السيارات، وأحيانا سيارات بأكملها، أو يتم بيع بعضها بالتواطؤ مع المسئولين.

أما اللحوم والسلع الغذائية الفاسدة التي يتم ضبطها في الحملات التموينية المختلفة، فيتم إعدامها فورا، نظرا لطبيعتها، في حضور مفتش التموين وممثل للنيابة العامة.. وبعد تحرير المحاضر اللازمة بذلك، وفي بعض الأحيان يتم حفظ مثل تلك الأحراز لفترة قصيرة لحين الانتهاء من إجراء التحاليل القانونية، وتكون في عهدة مفتش التموين.. أما الأجهزة المنزلية والكهربائية المختلفة وأجهزة الكمبيوتر واللاب توب، والتليفونات المحمولة وغيرها، فيتم التحفظ عليها لفترة معينة داخل مخازن مخصصة لها في بعض أقسام الشرطة المقامة على مساحات كبيرة والمؤهلة لذلك، حتى تتاح الفرصة لأصحابها للتعرف عليها واستلامها، بناء على قرار من النيابة العامة، وهناك مخازن تابعة أيضا للنيابة يتم حفظ مثل هذه الأشياء فيها، وتكون تحت حراسة خاصة أيضا وتحت تصرف النيابة.

بعيدا عن أماكن حفظ الأحراز والأدلة الجنائية وطرق تأمينها، أكد مصدر قضائي رفيع المستوى أن الأحراز ركن مهم من أركان أي جريمة أو قضية، والتلاعب فيها بأي شكل من الأشكال قد يتسبب في تبرئة مذنب، أو إدانة بريء.

المصدر القضائي تابع قائلا: "حفظ الأحراز في أقسام الشرطة أو مخازن النيابة العامة، أو الساحات المخصصة لها خارج المدن أو داخلها، قد تعرضها للسرقة أو التلاعب، خصوصا أن التأمين الخاص بها يكون غير كافٍ، وفي معظم الأحيان يُكلَّف فرد واحد أو اثنان بحراستها، وهناك بعض التجاوزات الفردية للقائمين على تأمين الأحراز، حيث يستبدلون حرزا بآخر أو سرقة مضبوطات وبيعها لحسابهم الخاص، مثل أجهزة اللاب توب والموبايلات، والأسلحة والمواد المخدرة بكافة أنوعها، خصوصا الأقراص والحشيش.. ويشجع على ارتكاب تلك المخالفات الفردية طول فترة التحفظ على الأحراز، التي تصل إلى عدة سنوات، دون أن يتم جردها والتأكد من وجودها كاملة وبحالتها، فضلا عن كثرة الأحراز وتشابهها إلى حد كبير".

المصدر أشار أيضا إلى أنه تتم حاليا دراسة إنشاء مخازن خاصة بالأحراز والأدلة، ومن المقرر أن تكون تابعة للتفتيش القضائي والنيابة العامة، وبعيدة تماما عن أقسام الشرطة التي يتردد عليها الآلاف يوميا، ما يعرض الأحراز للسرقة والتلاعب.. والمخازن الجديدة ستتيح الفرصة لجردها بشكل دوري وتأمينها تأمينا كاملا، لأن أغلبها سيكون في داخل المحاكم نفسها.

وعن أبرز وقائع سرقة الأحراز أو استبدالها، قال المصدر القضائي: "منذ سنوات وقعت حادثة غريبة من نوعها، تمثلت في الاستيلاء على كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر، بينها بنادق آلية وطبنجات من داخل مخزن تابعة للنيابة العامة بالسيدة زينب، وتبين أن بعض القائمين على حراسة وتأمين المخزن متورطون في الواقعة، وأحيلوا إلى جهات التحقيق المختلفة".

أيضا شهد قسم شرطة الهرم مؤخرا واقعة مشابهة، وفيها تورط بعض رجال الشرطة والموظفون المكلفون بحراسة وتأمين مخزن الأحراز في القسم، والذي يضم 4 غرف، في الاستيلاء على كمية من الأحراز، عبارة عن مشغولات ذهبية وأجهزة كمبيوتر وهواتف محمولة مرتفعة الثمن، كانت مودعة في المخزن على ذمة قضايا منظورة أمام المحاكم.

الغريب في هذه الواقعة أن التحقيقات كشفت عن أن المخزن تتم سرقته منذ 3 سنوات، بالتواطؤ مع نفر قليل من أصحاب النفوس الضعيفة، واستدعت النيابة جميع الضباط والأفراد الذين تواجدوا في القسم طوال الفترة المشار إليها وسؤالهم حول تلك الوقائع، وما زالت التحقيقات مستمرة.

ومن أغرب وقائع التلاعب في الأحراز وسرقتها، عند إعدام حرز مخدرات عبارة عن "11" كيلو حشيش بعد انتهاء القضية وصدور قرار من النيابة العامة بإعدام الحرز، اكتشفت لجنة الإعدام أن الحرز عبارة عن "عجوة"، وعلى الفور تم إخطار وزارة الداخلية بالأمر، وكلف اللواء مجدي عبدالغفار وزير الداخلية، اللواء أحمد الخولي مدير الإدارة العامة لمكافحة المخدرات، بإجراء التحريات اللازمة ومعرفة المتسبب في استبدال ذلك الحرز ومصير الحشيش المختفي، وتقديم المسئولين عن تلك الواقعة، سواء ضباط أو أفراد للنيابة العامة.

كما تحقق الداخلية أيضا في واقعة أخرى، تم فيها استبدال طبنجة صوت، بحرز عبارة عن طبنجة ألماني تم ضبطها مع متهم، وأثناء المحاكمة تبين أن الحرز عبارة عن طبنجة صوت، فأفلت المتهم من العقاب.

أيضا تمت سرقة أحراز "هيروين" ووضع مكانها دقيق مخلوط بالسكر المطحون، فتغير مسار القضية تماما، وفي محافظة الإسكندرية، تلاعب 4 رجال شرطة في أحراز القضايا الموجودة في الأقسام، واستولوا على سيارة "هيونداي" كانت محتجزة على ذمة قضية، و185 كرتونة سجائر تم ضبطها مع تاجر أثناء محاولة تهريبها للبلاد دون دفع الرسوم، وكمية من المواد المخدرة وعدد من البنادق الآلية، وتم اكتشاف تلك الوقائع وأحيل المتهمون للنيابة العامة التي تولت التحقيق معهم.

وفى الإسماعيلية، اُتهم ضابطا شرطة باختلاس أسلحة وذخائر و3 سيارات بدون ترخيص، كانت موجودة كأحراز في قسم شرطة، لكنها لم تثبت في محاضر رسمية بتحريض من الضابطين، حتى يتمكنا من الاستيلاء عليها بسهولة.

وفي محافظة الفيوم، ألقى القبض على موظف بمجمع المحاكم بتهمة اختلاس 20 تليفونا محمولا، وطلقات ذخيرة حية و2 فرد خرطوش، وسلاح أبيض من أحراز القضايا المنظورة في المجمع.

المصدر أشار إلى نقطة مهمة في اختلاس وسرقة المواد المخدرة قائلا: "في حالة ضبط كميات كبيرة من المواد المخدرة بكافة أنواعها، فإن الإجراء الطبيعي والقانوني في التعامل معها ينقسم إلى شقين.. الأول سحب عينات من المخدرات سواء الهيروين أو الكوكايين أو الحشيش أو الأقراص والمنشطات الجنسية، وإرسالها إلى معمل جنائي تابع لمصلحة الطب الشرعي، لتحليلها وبيان طبيعتها.. والشق الثاني يتمثل في إرسال باقي المضبوطات بمحضر رسمي موضح فيه كمياتها وأنواعها، تمهيدا لإعدامها، وهنا من الممكن أن يحدث التلاعب، فمثلا لا يتم إثبات كامل الكمية في المحضر، أو لا يتم إرسالها نهائيا إلى الجهات المختصة والاكتفاء بالعينات التي يتم إرسالها للمعمل الكيميائي كأحراز في القضية، وإخفاء باقي المضبوطات والتصرف فيها".

التخلص من الأحراز
للتخلص من الأحراز قواعد تختلف باختلاف من حرز لآخر، هذا ما أكده مصدر أمني مطلع وأضاف: "بالنسبة للمواد المخدرة بكافة أنواعها، يتم حفظها في مخازن خاصة تحت تصرف النيابة والعامة والمحاكم المختلفة، وبحراسة من الشرطة، لحين انتهاء القضايا الخاصة بها بصدور حكم نهائي وبات، بعدها تصدر النيابة العامة أو المحكمة المختصة قرارا، بإعدام المواد المخدرة الخاصة بتلك لقضايا، ويتم تشكيل لجنة للإعدام تضم رئيس نيابة ولواء شرطة ومسئولا عن مخازن الأحراز، بعد ذلك تنقل إلى المخزن العام في ميناء الإسكندرية، حيث يتم إعدامها حرقا في أفران، خاصة بعد جردها والتأكد من مطابقتها للبيانات المثبتة في محاضر التسليم والتسلم سواء كانت بانجو أو حشيشا”.

الطريف في الأمر، بحسب المصدر، أن عددا كبيرا من الأهالي خصوصا الشباب يتجمعون على كوبري قريب من منطقة إعدام المخدرات، لاستنشاق الدخان الناتج عن عملية إحراقها.. "بيعملوا دماغ"!!

أما "الأفيون"، فبحسب المصدر، فإنه يرسل إلى وزارة الصحة لاستخراج بعض المشتقات منه وإدخالها في صناعة الأدوية خصوصا مسكنات الألم، ونفس الشيء بالنسبة للأدوية والعقاقير المدرجة في جداول المخدرات، بعد التأكد من صلاحيتها.

أما بالنسبة للأسلحة والذخائر، فقال المصدر الأمني: "سابقا كان يتم تشكيل لجان خاصة أيضا لإعدامها عن طريق "التكسير" في ماكينات خاصة، بناء على إذن من النيابة العامة وبمعرفة لجنة مختصة، أما حاليا فيتم تسليمها إلى الإدارة العامة للأسلحة والذخائر بوزارة الداخلية، وهناك يتم فرزها والصالح منها يتم إدراجه في مخازن الإدارة لتستفيد منه الشرطة، أما غير الصالح مثل "فرد الخرطوش" فيتم التخلص منه بالإعدام"، والأسلحة المسروقة من رجال الشرطة أو الأقسام المختلفة فإنها تسلم بمحاضر إلى المسئولين عنها.

وبخصوص السيارات التي يتم ضبطها أثناء ارتكاب الجرائم أو المسروقة أو المهربة، فإنه يتم التعامل معها حسب كل حالة.. فالسيارات المسروقة تظل في حوزة الشرطة وتحت تصرف النيابة العامة أو المحكمة المختصة لحين تسليمها لأصحابها بمحاضر رسمية، والسيارات المهربة والتي لم يستدل على أصحابها، يتم بيعها في مزاد علنى وتوضع أموالها في خزينة المحكمة، ونفس الشيء بالنسبة للأدوات المنزلية والأجهزة الكهربائية والتليفونات المحمولة".

أما المشغولات الذهبية والمبالغ المالية المسروقة من أفراد أو من محال تجارية أو شركات، فإنها تعاد إلى أصحابها بعد اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، والأموال المزورة يتم إعدامها بمعرفة لجنة مختصة.. أما المبالغ المتحصلة نتيجة أنشطة غير مشروعة مثل الدعارة وتجارة المخدرات فتتم مصادرتها.

" نقلا عن العدد الورقي.."
الجريدة الرسمية