رئيس التحرير
عصام كامل

لا.. لتعيين حملة الماجستير والدكتوراه من منازلهم !


أزعم أننا كنا أول من رفض تعيين حملة الماجستير والدكتوراه، في الوقت الذي كانت الميادين مشتعلة، وحذرني أحد الأصدقاء من تبني رأي ضد مطلب يؤيده الشارع، كتبت ثلاث مرات من قبل، وأعود اليوم للمرة الرابعة، خاصة بعد خطأ الحكومات السابقة بتعيين دفعات سابقة، وأصبح البعض يطالب بالمساواة، والقضية أن هناك خطأ وما بني على خطأ لا بد أن تكون نتيجته خطأ أكبر.


في هذا الصدد، قرأت رؤية تؤكد لما طالبنا به من عدم تعيين أصحاب الماجستير والدكتوراه، وهي للصديق الدكتور رأفت رضوان، أحد خبراء نظم المعلومات، وكان له دور كبير في مركز دعم القرار، حيث علق على المظاهرات الأخيرة قائلا: مظاهرات حملة الماجستير والدكتوراه تثبت أنهم لم يتعلموا شيئا.. هم تعلموا على كيفهم وفي التخصصات التي اختاروها والمفترض أنها تلبي احتياجات سوق العمل (دا طبعا إذا كانوا منطقيين).. الجهاز الإداري مكتظ ولا يحتاج إلى إضافة أي عاملين جدد (وهم يعلمون ذلك مقدما).

بأي منطق مما تعلموه يطالبون بالتعيين؟ فكرة «أسوة بمن سبقوه» تؤكد أنهم بلا منطق (فهذه فكرة العامة ولا تحتاج لتعليم، وعلى أساسها يجب أن نعين كل الخريجين في الجهاز الإداري لأن الدولة كانت تقوم في الماضي بذلك). إذا كانوا قد تعلموا بحق وفي تخصصات مطلوبة في سوق العمل فإن الحصول على فرصة عمل يكون سهلا، أما إذا كانوا حصلوا على شهادات في تخصصات غير مطلوبة بالمرة، فالمفروض ألا يطلبوا من الدولة تعيينهم!

المعروف في العالم المتحضر أن رسالات الماجستير والدكتوراه لا يتم تحديدها برغبات الطالب أو المشرف على البحث العلمي، ولكن بناء على احتياحات المجتمع وسوق العمل وإلا أصبح الأمر "سمك لبن تمر هندي"، مثلما يحدث في بلدنا للأسف، ونعود لكلمات د. "رأفت رضوان"، التي تنضح بالمرارة والحزن على ما آلت إليه حال التعليم على مدى عشرات السنين، يقول:

يا عيب الشوم.. أهلا بحملة الماجستير والدكتوراه.. كنت أظن أن المشكلة في التخصصات غير العلمية لكن واضح أن الكارثة عامة.. بكالوريوس طب جامعة القاهرة كان يقبل في لندن من غير معادلة.. اليوم السعودية.. نعم السعودية.. ترفض ماجستير من جامعة مصرية يتجاوز عمرها 35 عاما.. تعلموا بدلا من أن تتظاهروا في الميادين.. وماذا بعد؟

انتهى كلام د. "رأفت رضوان"، والذي لم يشر إليه ولا أشار له أحد هو أن الحاصل على الماجستير أو الدكتوراه يتم تعيينه ويريد امتيازات لمجرد أنه يحمل دراسة أعلى، والتجربة أثبتت أن الأغلبية الساحقة منهم لا خبرة سابقة ولا علاقة له بما يحمله من درجة علمية، وأذكر نموذجا: جاءت إحدى الحاصلات على الدكتوراه، وعمرها خمسة وأربعون سنة، سألتها عن التخصص الذي حصلت فيه على الدكتوراه، فأجابت: النقد في الفن التشكيلى، وسألتها أين تكتب؟ فقالت: لا أمارس الكتابة لأني مشغولة بالأولاد وشغلي الآخر! قلت: وشغلك له علاقة بالنقد؟ ابتسمت وقالت: لا علاقة بالنقد من بعيد أو قريب!

إذن، خبرتها أكثر من عشرين عاما في تربية الأولاد والعمل البعيد عن تخصصها، ولا تملك أي خبرات إدارية ولا غيره، بالله عليكم كيف ولماذا يتم تعيينها هذه؟ مع العلم أنها جاءت ومعها قانون العمل من حقها العمل نصف وقت ونصف أجر، باختصار "مش فاضية للحكومة"، لكنها متمسكة بالعمل بها، لأن العمل الخاص مش مضمون!

أخيرا إذا كنا فعلا في ثورة هدفها التغيير والتطوير والتجويد، فإننا لا بد أن نعيد النظر فيما يحدث، ولا بد من وقفة جادة تقوم على العلم والخبرة والوعي السياسي وبرؤية مستقبلية لمصر التي تئن من أخطاء أبنائها الذين هم أشد أعدائها.

لا نريد في كل مشكلة أن نقول "فينك يا سيسي"، نريد أن نشعر بأننا في دولة بحق، قادرة على العطاء بقوة الحق والقانون، وقوة المنع بقوة الحق والقانون، دولة تحاسب أيضا بالحق والقانون.. وليس بالصوت العالي والجعجعة الفارغة!

الجريدة الرسمية