رئيس التحرير
عصام كامل

محفوظ.. فيلسوف الرواية وأديب النبوءات الكبرى!


كان نجيب محفوظ أديبا استثنائيا- ورغم أن مصر ولادة- لكن ربما لن يتكرر بصيغته أو بروحه أو بطريقته أو بأدواته.. ويمكن القول أيضا إن محفوظ بلا امتداد أو وريث ولا تلميذ نجيب خرج من صلب أسلوبه أو رؤاه أو طعمه أو لونه!


نجيب محفوظ هو فيلسوف الرواية العربية وحكيمها بلا منازع.. وربما كان في نظرنا أهم أدباء العالم.. وهنا لا نقيم الرجل أدبيا فلهذا رجاله.. ولا نقيمه سياسيا قلا نخلط الحابل بالنابل ولا يصح أن نخلطه، إنما نتحدث عن أكثر أدباء العالم إنتاجا وأطولهم بقاء وأكثرهم أثرا واقواهم تأثيرا وأذكاهم تناولا وأبسطهم في الرمز والإسقاط!

لن يصدق أحد أن رواية " بداية ونهاية " كتبت عام 1949 لتتنبأ بالثورة القادمة على الجوع والفقر.. وأن"القاهرة   30 " كتبت عام 1945 فاضحة عهدا بأكمله !! والروايتان لم يكتبهما في الستينيات مجاملة لعصر عبد الناصر كما يتصور البعض !

ولن يصدق أحد أن رواية " اللص والكلاب " المستوحاة من قصة حقيقية لمحمود أمين سليمان الذي شغلت جرائمه الرأي العام في مصر عام 61 بعد أن خرج من السجن فاكتشف خيانة زوجته ومحاميه فسار في طريق الانتقام.. إلا أن محفوظ يطوع الحقيقه ليقول إن الكثيرين بيننا يبدون لنا أنهم يؤمنون بمبادئ معينة إلا أنها ليست إلا انعكاسا لوضعهم الاجتماعي فإذا ما تغيرت أحوالهم تغيرت أفكارهم.. فكان رؤوف علوان الطالب الفقير الذي يؤمن بالاشتراكية الذي يعلم سعيد مهران أن الاشتراكية تعني الحصول على أموال الأغنياء ولو بطرق غير مشروعة حتى لو كان بالسرقة إلا أن رءوف علوان نفسه عندما يصبح صحفيا مشهورا ينسي أفكاره القديمة وتتغير مبادئه ليكون سعيد مهران هو اللص.. أما الكلاب فهم من تسببوا في جرائمه وليست الكلاب التي تطارده في نهاية الفيلم كما يتوهم البعض!

كانت الرواية السابقة قبل ظهور موجات الانتهازيين بعد رحيل جمال عبد الناصر فانقلبوا إلى رأسماليين بعد الانفتاح.. لكن عند رواية "الطريق" نتوقف عن أسماء أبطال الرواية "صابر" "إلهام" و"سيد سيد الرحيمي" المجهول الذي بيديه الحل بينما تدور الرواية التي تحولت إلى فيلم شهير لشادية ورشدي أباظة وسعاد حسني إلى الصراع بين الخير والشر وبين المادة والروح بين الحياة والمصير والاختيار وبين من بيديه الخلاص ولكنه لا يظهر أبدا!

في الثلاثية "بين القصرين والسكرية وقصر الشوق" يتناول الازدواجية والتناقضات التي يعج بها المجتمع المصري وخصوصا في قمته!

يحتاج محفوظ -أحد أبرز رموز مصر والعرب- كتبا ودراسات كاملة عنه وعن أدبه وليس مقالا من أسطر معدودة ومساحة محددة.. وقد لا تتوقف عنه الكتب والدراسات فعلا.. ويستحقها وتستحقه!
الجريدة الرسمية