شراء أصوات الناخبين يفقد البرلمان شرعيته!
تعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة واحدة من الانتخابات التي لم تشهد أي شكل من أشكال التزوير المباشر التي تميزت بها كل البرلمانات في عهد مبارك، ولأول مرة تحاول أن تكون الدولة بمؤسساتها محايدة تمامًا فلم تتدخل لحسم النتائج لصالح مرشح على حساب مرشح آخر، ولعل ما ساعد على ذلك إعلان الرئيس أنه لا يدعم أي حزب أو قوى سياسية أو فصيل سياسي ويقف على مسافة واحدة من كل الأحزاب والقوى والفصائل السياسية، وبالتالى تبدو الانتخابات في مظهرها العام ديمقراطية وشفافة ونزيهة ولا تشوبها شائبة ويمكن للبعض وعلى رأسهم الرئيس ذاته أن يعلن أن البرلمان القادم يتسم بالشرعية، لكن هل هذا الكلام صحيح ؟ وهل يمكننا أن نقبله دون مناقشة ؟
بالطبع لا فالعملية الانتخابية سليمة من هذا الجانب فقط جانب عدم تدخل الدولة بمؤسساتها ففى الماضى كانت تتطوع أجهزة الدولة خاصة الأمنية بتزوير الانتخابات لصالح حزب الرئيس وكان أي متابع للعملية الانتخابية يمكنه رصد مئات بل آلاف المخالفات والتجاوزات التي تتم داخل اللجان، بل وصل الأمر ببعض القضاة المشرفين على الانتخابات حين كان هناك إشراف قضائي على الانتخابات بضرب عرض الحائط بأصوات الناخبين التي أدلوا بها داخل الصناديق وكانوا يعلنون نتائج أخرى تمامًا كانت تأتيهم عبر الأجهزة الأمنية التي كانت تتلقى تعليماتها من غرفة عمليات الحزب الوطنى، حزب الرئيس في حينه.
إذا كان الأمر كذلك فما هي المأخذ التي تؤخذ على هذا البرلمان ويمكن أن نعتبرها مؤشرًا على عدم شرعيته بل بطلانه، بالطبع الدولة لم تكن محايدة كما حاول البعض أن يصور لنا.. حيث قام محلب وحكومته بتفصيل قانون للانتخابات يسمح بعودة رجال فساد نظام مبارك للسيطرة على البرلمان ليس بشكل مباشر ولكن من خلال صبيانهم، فالقانون أطلق يدهم، حيث جاء أولا بثمانين بالمائة من المقاعد بالنظام الفردى وثانيا عشرين بالمائة بالقائمة المطلقة وهو ما يعنى أن القانون لا يريد منافسة على أساس حزبي حقيقي بل هي منافسة بين أشخاص، ووضع القانون سقف نصف مليون جنيه للدعاية دون آلية للرقابة فقام رجال الأعمال بدعم صبيانهم المرشحين بملايين الجنيهات من ثرواتهم بغرض حصد مقاعد البرلمان.
وبالفعل شهدت مصر أكبر عملية شراء لأصوات الناخبين في تاريخها ووصلت بورصة بيع الأصوات لأرقام غير مسبوقة، حيث وصلت في بعض الدوائر لخمسمائة جنيه للصوت ارتفعت في جولة الإعادة لتصل إلى ألف جنيه للصوت، ورغم المقاطعة الكبيرة فإن الأموال التي وضعت من قبل رجال الأعمال تحت تصرف صبيانهم في الدوائر الانتخابية تمكنت من شراء الأصوات، مستغلة فقر وحاجة كثير من المواطنين التي أنهكتهم السياسات الاجتماعية والاقتصادية الفاشلة للحكومة وطحنتهم وعجنتهم تحت عجلة الارتفاع الجنونى للأسعار، وما يزيد الطين بلة أن يخرج علينا بعض المحللين للعملية الانتخابية ليبرئ ذمة الدولة مما حدث ويرجع الفساد كله لذمم المواطن الفقير الذي قام ببيع صوته، وبذلك يبرئ أيضًا المرشح الذي قام بعرض الرشوة وشراء الأصوات.
يا سيادة الرئيس برلمانك القادم فقد شرعيته لقد تمت عملية شراء الأصوات بشكل علنى أمام اللجان الانتخابية وتحت سمع وبصر الدولة وأجهزتها المختلفة وفى مقدمتها اللجنة العليا المشرفة على الانتخابات التي وقفت عاجزة عن التحرك واتخاذ أي إجراء ضد هؤلاء الفاسدين، لقد تمكن رجال الأعمال الفاسدون الذين قامت ضدهم ثورة 25 يناير من العودة مرة أخرى للسيطرة على السلطة السياسية عبر صبيانهم من خلال أداة التشريع بعد تمكنهم من الاستمرار في السيطرة على مفاصل الاقتصاد الوطنى والهيمنة على وسائل الإعلام لتبييض وجوههم وغسل أدمغة الفقراء والكادحين من شعب مصر..
لذلك لا يمكن أن يقبل غالبية الشعب المصرى المقاطع للعملية من أصلها هذه النتائج وهذه الوجوه فالبرلمان باطل وغير شرعى فعملية شراء الأصوات كانت علنية ومصورة بالصوت والصورة، وتم تداولها على شاشات الفضائيات وعبر مواقع التواصل الاجتماعى، اللهم بلغت اللهم فاشهد.