رئيس التحرير
عصام كامل

حكم تحكيم الغاز وأموال المصريين


الحكم التحكيمي الذي أصدرته هيئة التحكيم بغرفة التجارة الدولية بجنيف (ICC) يوم الجمعة الماضي، بالتعويضات المالية الكبيرة لصالح شركة كهرباء إسرائيل (IEC)، ضد شركة الغاز الوطنية المصرية (EGAS)، في شأن إيقاف تصدير الغاز الطبيعي المصري، ألقى الأضواء من جديد على أحد نماذج الفساد المالي والإداري في عصر مبارك والتآمر السياسي للنظام المصري وقتها ضد شعبه، منذ أن تم التعاقد على بيع الغاز الطبيعي المصري للكيان الصهيوني في العام 2005، لمدة عشرين عامًا، وتنفيذ العقد فعليًا بعد ذلك بسنوات ثلاثة، على الرغم من زوال الاتهامات بالتربح وإهدار المال العام عن رجل الأعمال الهارب في المكان المعلوم حسين سالم، وعن وزير البترول الأسبق سامح فهمي، في شأن تقييم أسعار بيع الغاز الطبيعي، إلا أن التاريخ لا يزول!


وبالمناسبة فهذا الحكم هو المنتج التحكيمي الأول من أحد أربع قضايا تحكيمية، أقيمت الثلاثة الأخرى منها أمام محكمة التحكيم لدى غرفة التجارة الدولية بباريس، وهيئة التحكيم الدولية بأمريكا، ومركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي، وأنه ليس صحيحًا ما يُشاع إعلاميًا، من أن أسباب إقامة هذه القضية التحكيمية هو وقف تصدير الغاز من قِبل الحكومة المصرية في أعقاب ثورة يناير 2011؛ إذ أن القضية التحكيمية المذكورة قد أُقيمت بتاريخ 6/10/2011، من قِبَل شركة شرق البحر المتوسط (EMG) بصفتها الشركة المتعاقدة مع الجانب المصري على تصدير الغاز الطبيعي، وشركة كهرباء إسرائيل (IEC) بصفتها الشركة المسئولة رسميًا عن تزويد الدولة الإسرائيلية بالطاقة الكهربائية وإجراء عمليات الصيانة والتمديدات الكهربائية، في حين أن توقف تصدير الغاز من قِبل الجانب المصري تم بتاريخ 9/4/2012، أي بعد الواقعة بستة أشهر.

ولا وقت للغو، فميعاد الطعن في هذا الحكم التحكيمي يكون خلال ستة أسابيع، وفقًا لأحكام القوانين السويسرية، وفي ظني يجب أن تنصب أسباب الطعن الرئيسية على البطلان؛ لأن مشارطة التحكيم في العقد محل القضية أسندت الاختصاص إلى مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي دون سواه، وأنه حرصًا على صالح الشعب وأمواله، فإنه يجب الاعتماد في قضايا التحكيم على القواعد القانونية للاستثمار الدولي والقوانين الحاكمة والنصوص التعاقدية، وليس على الحراك الشعبي أو الثوري، فضلًا عن أن هذا الموضوع يلزم أن يمتد أيضًا إلى مرحلة المفاوضات السياسية بين الحكومات المعنية، خصوصًا بعد اكتشاف حقول شرق المتوسط، ودخول أطراف دولية أخرى في المسألة مثل لبنان واليونان وتركيا.

كما أن القضايا التحكيمية عمومًا، تعتمد في الأساس على نوع من التخصصية الفنية والاحترافية، لم تفطن إليه أغلب الجهات الحكومية المصرية في نزاعاتها، ما يُخشَى معه ضياع أموال مصرية طائلة، خاصة أن الحجم المالي لقضايا التحكيم التي تدخل مصر طرفًا فيها في مراكز التحكيم الدولية المتخصصة يربو على خمسة وثلاثين مليار دولار، في ذمة منصات الهيئات التحكيمية بالخارج.

وفوجئت ببعض التصريحات التي تهدف إلى تبسيط الأمر أمام الرأي العام، من أن الحكومة المصرية ليست طرفًا في النزاع، وأن الأحكام المماثلة لهذا الحكم لا يتم دفع الغرامة فورًا، والأمر قد يستغرق سنوات.. ذلك أنه ولئن كان النزاع في جوهره نزاعا قانونيا ماليا بين شركتين تجاريتين، وبالتالي فإن الدولة المصرية لا تعد ممثلة رسميًا في النزاع، ولا يلزمها الحكم، وبالتالي لا يجوز الحجز على أموال مصر في الخارج، إلا أنه في حال ثبوت مبدأ التعويضات نهائيًا بعد استنفاد طرق الطعن، أيًا كان مقدارها، فسوف يتم سداده ولو بعد سنوات، كما أن الحكومة المصرية وإنها ليست طرفًا في النزاع بشكل مباشر في مفهوم الالتزامات القانونية، إلا أن قيمة هذه التعويضات سوف تُدفع في الواقع من ميزانية الدولة، التي هي في الأصل أموال الشعب المصري.

وأتعجب من بطء الحراك الرسمي في متابعة القضية، فإما أن الحكومة المصرية لم تكن تدري بالأمر برمته إلا مثلنا تمامًا بعد أن بثته وكالة رويترز للأنباء، يوم الأحد الماضي، نقلًا عن بيان أصدرته شركة كهرباء إسرائيل (IEC)، ولم يذكر البيان توقيت أو مكان صدور الحكم، وهو ما لم تذكره أيضًا تصريحات الحكومة المصرية يومها!.. وإما أنها عمدت إلى تعتيم المسألة؛ لكونها تتابعها في الأساس مع شركة Shearman & Sterling LLP الدولية القانونية المتخصصة. 

Poetgomaa@gmail.com
الجريدة الرسمية