«وصمة» المثلية الجنسية تلاحق اللاجئين السوريين!
ظن الشاب السوري "كرانو" أن خروجه من وطنه سوريا، ووصوله إلى أوروبا سيجعلانه كمثليي جنسي حرًا طليقًا، ناسيًا أو متناسيًا أنه ليس اللاجئ الوحيد، وأن "لعنة" المثلية غير المقبولة في مجتمعه الشرقي ستلاحقه إلى قلب قارة الحريات.
وصول "كرانو"-وهو الاسم الذي يفضل أن ينادي به- إلى ألمانيا لم يكن بالأمر السهل، فقد عايش كلاجئ سوري أولًا، وكمثلي ثانيا تجربة مريرة مضاعفة، وبعد عام ونصف العام متنقلًا ما بين الدول الأوروبية بات أكثر تفكيرًا بالانتحار، بعد دمج مسئولي مراكز اللجوء له مع غيره من اللاجئين السوريين الذين تعرضوا لها بالضرب والتحقير.
الحال ذاته عايشه "كرانو" خلال رحلة الهجرة، ويضاف إليها الاستغلال الجنسي مقابل الطعام، وقد ترك الضرب المبرح أثاره على جلد وعظام ابن الثانية والعشرين عامًا، يقول "كرانو لـ DW عربية: "كمثل جنسي كنت لقمة سائغة لمن يدعون التدين والالتزام، أجبرت على ممارسة الجنس مع أحدهم، وعندما رفضت في المرة الثانية، شتمني أمام الجميع وقال لي "اذهب من هنا يا لوطي".
ما بين سوريا وإسطنبول... شهران ونصف
بداية اللجوء كانت من منطقة "باب الهوى" على الحدود السورية-التركية والمسيطر عليها آنذاك من قبل جبهة النصرة، وقد اضطر "كرانو" حينها للتنكر بزي امرأة محجبة وواضعا النقاب، وكانت مدينة إسطنبول وجهته هذه المرة، آملا بالاستقرار مع صديقة له مقيمة هناك. لكن ولأن الريح تجري بما لا تشتهي السفن، أوصله المهربون إلى مدينة مرسين، التي واجه فيها الاستغلال الجنسي مرة أخرى لم تكن الأخيرة.
انتهت محطة "كرانو" التركية لاحقًا في العاصمة إسطنبول بعد وفاة صديقته التي كانت هي أيضًا مثلية وتركت أسرتها المقيمة في دبي، حيث داهمها مرض الفشل الكلوي فكان سببًا في وفاتها، يصف "كرانو" لحظة علمه بوفاة صديقته فيقول: "طلبت مني وبعد أن لازمتها في المشفى لمدة شهر كامل، أن أخرج لأتفسح قليلًا، أعطتني 50 ليرة تركية.
وعندما عدت لم أجدها على سريرها، ظننت أنني أخطأت برقم الغرفة، سألت الممرضة التي لم تكن تتقن الإنجليزية، فأومأت لي بإشارة تفيد أنها ماتت، صرخت غير مصدق، بدأت بضرب نفسي ولومها على تركي لها وحيدة، في تلك اللحظة، أدركت أن رحلة البحث عن مكان آمن بدأت من جديد، وأنني أنا من بت وحيدًا".
أحلام مع وقف التنفيذ
منذ قرابة الشهر، يسكن "كرانو" والشابان "فادي" و"وسام" المتحولان جنسيًا في برلين في غرف وفرتها لهم ولفترة محدودة منظمة "كاريتاس" التي تعنى بتقديم الخدمات الإنسانية والاجتماعية والتنموية في عدد من الدول. ووفقًا للشبان الثلاثة، كان يفترض أن تكون هذه الغرف في مبنى مخصص لهم ولأقرانهم من المثليين والمتحولين، لكن وبعد انتقالهم إلى المبنى فوجئوا بوجود عائلات لاجئة وشبان متدينين يسكنون في غرف مجاورة، ويتشاركون جميعهم المطبخ، هؤلاء وإن لم يتعرضوا لهم بإساءة إلا أن نظراتهم تبقى كافية لإثارة شعورًا غير مريح.
توفير مساكن خاصة ومنفصلة عن باقي اللاجئين، يعتبر المطلب الوحيد والمستعجل للشبان الثلاثة، ويقول "كرانو" لـ DW عربية: "خذلتني جميع الدول الأوروبية، منذ وصولي تنقلت ما بين مقدونيا، وصربيا، وهنغاريا، والنمسا، واليوم أنا في برلين وقبلها كنت في ميونخ، جميع هذه الدول لا تتفهم وضعي الخاص، لا أستطيع أن أسكن مع اللاجئين، جميعهم لا يتقبلوني، المثلية شيء لم أختاره، خروجي من سوريا كان بحثًا عن دولة يتوفر فيها قانون يحميني".
ويتشارك كل من "فادي" و"وسام" و"كرانو" ذات الطموحات، فإلى جانب الرغبة الاستقلالية بالسكن، يسعى هؤلاء إلى تعلم اللغة الألمانية، وإكمال دراستهم التي أوقفوها بسبب الحرب ومن ثم الهجرة. يقول فادي: "لا أريد أن أكون عالة على أحد، أنا خبير تجميل، وكنت أدرس الأدب الإنجليزي، فقط أريد مساعدة أولية في تعلم اللغة والاندماج في المجتمع، ومن ثم يتوجب على البحث عن عمل لأنفق على نفسي"، ويوضح "وسام" تعرضه و"فادي" للابتزاز الجنسي من قبل عناصر في النظام السوري بعد احتجازهم في أوقات منفصلة، حيث تم في حينها مساومتهم على إطلاق سراحهم مقابل تقديمهم لخدمات جنسية.
انقلاب الأحوال
إلى جانب اندلاع الثورة، كانت مثلية "كرانو" سببا في خروجه من وطنه الأم، خاصة بعد قضائه شهرًا ونصف الشهر داخل أحد سجون النظام السوري، وهي المدة التي ما أن يتذكرها حتى يجهش بالبكاء ويمتنع عن الخوض في تفاصيلها، خاصة أن مثليته الجنسية كانت سببًا في اعتقاله بعد أن ضبط ورفيقه على أحد الحواجز العسكرية التابعة للنظام والتي انتشرت في شوارع العاصمة دمشق.
وسبق التعذيب الذي مورس على "كرانو" في سجن النظام، تعرضه مع بداية الثورة لسيل من الشتائم والاستهزاء به وبمثليته من قبل المجتمع المحيط به، ويسرد "كرانو" كيف أن الثورة في بلده قلبت الموازين داخليًا وخارجيًا، فعلى الصعيد الشخصي: "كنت أتعاطى الهرمونات بهدف تغيير جنسي بالكامل، بدأ صدري يكبر، وبدأ شعر جسدي بالتوقف عن النمو، أخرج من البيت أنثى كاملة المعالم، شعر طويل وواضعًا مساحيق التجميل ومنتعلًا الكعب العالي، لكن وفاة رفيقي في العام 2010 في ظروف غامضة، جعلتني أقص شعري وأتوقف عن تعاطي الهرمونات (...)، وبالرغم من هذا كله لم يكن أحد يتعرض لي بكلمة أو بحرف"، ويعيل السبب في ذلك إلى انحداره من عائلة ثرية، لها وضعها الاجتماعي الخاص، لكن بعد الثورة كل شيء تغير، لم يعد الحال كما كان عليه في السابق، وأصبح هو وغيره من المثليين "طنطات".
خروج "كرانو" من السجن لم يكن بالأمر السهل، فوالده رجل الأعمال السابق اضطر إلى بيع بعض من ممتلكاته مقابل حرية ابنه وتهريبه بشكل آمن إلى لبنان التي تعرض فيها إلى الإهانة والاستغلال الجنسي وسرقة جواز سفره وأمواله، ما اضطره إلى العودة مرة أخرى إلى سوريا، وهنا بدأت الأسرة الصغيرة المكونة من الأبوين وأخ كرانو بكتابة سيناريو الهروب الجديد لتخليص ابنهم وهم الذين كانوا متفهمين لمثليته الجنسية ومدركين ثمن بقائه، وهنا موّل الأب تكاليف هروب ابنه للمرة الثانية.
كان "كرانو" قد اكتشف مثليته الجنسية بعمر الـــ15، وقد تلقى دعمًا قويًا من أسرته، التي لم تتركه حتى اللحظة، وإن أمست غير قادرة على إمداده بالأموال نظرًا لإعلان والده إفلاسه عقب الثورة، خاصة بعد تمويله لرحلة الهجرة التي اختارها أبناؤه، فشقيق "كرانو" أيضا ترك سوريا متوجهًا إلى إحدى الدول الأوروبية.
هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل