رئيس التحرير
عصام كامل

لا حزن يستمر ..ولا فرح يدوم



 تثور علىّ نفسى أحيانا،وترفع لواء التمرد،وتشقُّ عصا الطاعة،وتريد أن تعتزلنى،وتبحث عن غيرى.

نفسى..ترانى ضعيفا،ولستُ جديرا بها،وهى تريد أن تتلبس إنسانا قويا متغطرسا،لا يعرف قلبه رحمة ولا شفقة.

أحدثُّها فى لحظات الغضب الكثيرة بيننا،فتقول لى فى حماقة:"زمن مثلك ولّى وأدبر،نحن فى زمن القوة،فى زمن اللا ضمير،فى زمن الكراهية،فى زمن البقاء فيه للأسوأ"!

أحاول أن أُهدّئ من روعها،وأحاورها ،كى أقنعها بأن "انتصار الباطل أحيانا واستمراره بعض الوقت،ليس دليلا على وجاهته"،فتسخر منى ،وتهزأ بى ،وأحيانا تبصق فى وجهى،وتهرع بعيدا عنى، وتغلق عليها غرفتها!

يعتصرنى الألم،فالعلاقة بينى وبين نفسى،عمرها يزيد على 35 عاما،ولا أضمن إن انفصلنا أن أجد نفسا أخرى تلائمنى،فلربما تكون البديلة أشد حُمقا من الأولى.

أمس،ذكّرتُها بقول "توماس جيفرسون":"سر مع التيار فيما يخص المظاهر،أما فيما يخص المبادئ،فلتقف مكانك مثل الصخرة"،فاستهزأت بى مجددا بقولها:"فلتقف إذن على الصخرة أبد الدهر،ولن يلتفت إليك أحد،وسيصمونك بالجنون والجهل والتخلف!

قلتُ لها:هوّنى على نفسك،وتلوتُ عليها حكمة بليغة،نصّها:"من العيب أن تفخر بشئ لم تصنعه أنت،..،ولكن افخر بأخلاقك،فأنت من تحلّى بها"،فإذا بها تثور فى وجهى بصورة أشد قسوة، وتزمجر،وتفور كما البركان.

قلتُ:"وماذا أصنع من وجهة نظرك"؟،فنظرت إلىّ فى ازدراء،وقالت:"مثلك لا يستحق النصيحة،لأنه لن يعمل بها،نصيحتى إليك ،أن ننفصل فى هدوء،حتى لا أُعكّر عليك صفو حياتك،وأطاردك فى المحاكم..".

قاطعتُها مُحتدا هذه المرة،وتلوتُ عليها كلمات بليغة للراحل مصطفى محمود :"من يقرأ التاريخ،لا يدخل اليأس إلى قلبه أبدا،وسوف يرى الدنيا أياما ،يداولها الله بين الناس،الأغنياء يصبحون فقراء،وضعفاء الأمس أقوياء اليوم،وحكام الأمس مشردو اليوم،والقضاة متهمون،والغالبون مغلوبون،والفلك دوّار،والحياة لاتتوقف،والحوادث لا تقف عن الجريان،والناس يتبادلون الكراسى،ولا حزن يستمر،ولا فرح يدوم.."

التزمت نفسى صمتا مطبقا إزاء هذه الكلمات،ويبدو أنها ألجمتها،وأربكتها، فنظرت إلىّ شذرا،لكنها ثارت مجددا فى وجهى، وظلت تردد بصوت عنيف :" لقد فشلتُ فى تقويمك ،لن أبقى لحظة واحدة بعد اليوم معك، عقلك يستعصى على فهمى ،حان وقت الانفصال النهائى "، وقررت نفسى الغاضبة المتمردة،الأمّارة بالسوء،إنهاء علاقتنا خُلعا،لأبدأ مرحلة البحث عن نفس جديدة،تقبل الارتباط بى،ولا تعايرنى،بما كانت تعايرنى به نفسى السابقة

الجريدة الرسمية