كرامات الأولياء «بين الوهم والحقيقة».. نيكولاس بيخمان.. دبلوماسى هولندى يؤرخ "حكايات الأولياء وأساطيرهم" في كتابه "الموالد والتصوف في مصر"..شحاتة صيام: اللجوء إلى الأولياء والتبرك بهم لدرء ا
وجود الكرامات التي هي أمر خارق للعادة يجريها الله على أيدى الصالحين من عباده، حقيقة لا يستطيع أحد إنكارها، لكنها لا تظهر إلا في أضيق الحدود والعبرة منها الموعظة والتأكيد على أن الخالق وحده هو من يملك إمداد المخلوق بالنفع أو إصابته بالضرر، فكما قال الإمام الإمام الجنيد، المتوفى عام 297 هجرية، والذي يسميه المتصوفة – أكثر الناس اعتقادًا وتعلقًا بالكرامات – شيخ الطائفة «إذ رايتم الرجل يطير في الهواء ويمشى على الماء فلا تغتروا به حتى تعرضوه على الكتاب والسنة».. إلا أن المصريين يتعلقون بأساطير وكرامات لا وجود لها.
«زيادة الإقبال على زيارة الأضرحة، والتعلق بأساطير لا وجود لها إلا في عالم الخيال تؤكد القهر الاجتماعى وحاجات الطبقات الفقيرة إلى الخلاص»، واحدة من الإجابات التي توصلت إليها الدراسة التي أجراها الدكتور شحاتة صيام، أستاذ علم الاجتماع السياسي، وصدرت عن دار نشر روافد، بعنوان «الطهر والكرامات: قداسة الأولياء».
«صيام» رأى أن الإيمان بالأساطير والإقبال على زيارة الأضرحة إحدى ظواهر التراث الدينى المتأصلة عند المصريين، وأن اللجوء إلى الأولياء والتبرك بهم لدرء الشر وجلب المنفعة والشفاء هو ضعف واتكالية تندرج تحت مفهوم «انتظار المخلص»، وتعد نوعًا من خلط العالم البشرى بعالم آخر ليس له وجود، أو ربط الدنيوى بالمقدس.
أستاذ علم الاجتماع أكد، وفقًا لما سرده في دراسته، أن تلك الظاهرة ساهمت في استلاب الشخصية المصرية، وجعلت الفرد ينتمى إلى آخر ويندمج فيه، موضحًا أن الخوف والسعى إلى التخلص منه عن طريق إسقاطه على الموت سبب مهم أدى إلى تأصيل ظاهرة الإيمان بالأساطير، فالطقوس التي يقوم بها هؤلاء توحى إلى أذهانهم قوة الأسطورة وحضور صاحبها حتى بعد موته.
وفى بحث آخر حول الأسباب التي تجعل المصريين مولعين بنسج الأساطير والإيمان بها، خاض السفير الهولندى الأسبق لدى مصر، نيكولاس بيخمان، رحلة شاقة زار خلالها كل محافظات مصر واستطاع من خلال كتابه «الموالد والتصوف في مصر»، الذي ترجمه إلى اللغة العربية الروائى رءوف مسعد، ونشرت طبعته الأولى ضمن إصدارات المركز القومى للترجمة في عام 2008، رصد العديد من الروايات العجيبة حول هذا الجانب والتي وصفها بقوله «لم أبحث ولكنى وجدت».
«بيخمان»، في كتابه لا يدين أفعالًا ولا يسخر من أشخاص، وكذلك لا يعترض على شيء، لكنه اكتفى بكتابة حقيقة ما شاهده لينقل صورة حية عن عالم آخر ربما لا يعرف الكثير من المصريين تفاصيله.
السفير الهولندى الأسبق، أكد في كتابه، أن «الأسطورة أو الخرافة تتجلى في موالد وأضرحة مصر – ولا أقصد هنا الاستهزاء بهذا الجانب الروحى من حياة المصريين المسلمين والمسيحيين بل أشير إلى الطريقة التي تصنع بها الأسطورة أو الخرافة – في حكايات وسير الأولياء، والذين تروى عنهم كرامات لا يعترض عليها أي شخص، وكأن من يحكيها حريص على التفوه بما يتناسب مع احتياج الناس للخرافة والعجائبية والمعجزات الخارقة».
وروى «بيخمان»، حكاية ضريح الشيخ محمد العراقي، الذي ذهب لزيارته في مركز ميت أبو السباع، قائلًا «خلف ضريح الشيخ محمد العراقى توجد شجرة جميز عجوز، يقال إن هذه الشجرة تئن مثل البشر لأن هناك وليًا يعيش أسفل جذورها دون ذراعين أو ساقين، والغريب في الأمر أن الزوار يؤكدون أن الشيخ العراقي، له ضريح مدفون فيه بالقرب من شجرة الجميز، ورغم ذلك فهم يعتقدون أنه أيضًا مختبئ أسفل الشجرة، ولذلك يدقون المسامير في جذعها طلبًا للبركة والتوسط عبر أنينها لدى هذا الولي».
وفى مركز أخميم بمحافظة سوهاج، وجد السفير الهولندى الأسبق، شجرة أخرى مقدسة تقع بالقرب من ضريح الشيخ أبى القاسم بن على، وكان المتوافدون عليها يدقون المسامير في جذعها أيضًا، لكن الدافع هنا مختلف فهؤلاء يؤمنون بأنهم بهذا الفعل يتخلصون من آلام الصداع التي تفتك برءوسهم.
ودون «بيخمان»، في صفحات كتابه أسطورة أخرى عن الشيخ هريدي، والذي يقع ضريحه فوق أحد الجبال المتوسطة بين محافظتى أسيوط وسوهاج، ولا يحكى عنه سوى قصة هروبه من أعدائه عن طريق فلق الحجر والاختباء بداخله، ولتأكيد هذه الصفة يتردد أنه أول من عبر قناة السويس في حرب السادس من أكتوبر عام 1973، بالإضافة إلى أن الضريح تشرف عليه امرأة ضريرة تجلب له الماء أثناء الليل، وتسير فوق التلال والصخور دون مرشد ورغم ذلك لا تتعثر خطاها.
وأضاف السفير الهولندى الأسبق، بقوله «المرافقة الساخرة في أساطير الأضرحة تتجسد في مقام الشيخ منصور، المقام على صخرة بوسط نهر النيل في محافظة أسوان، فهذا الضريح يفد إليه المتزوجون حديثًا أملًا في الحصول على بركة الشيخ ليتمكنوا من إنجاب الأطفال، والطريف أن الشيخ نفسه لم يتزوج ووهب حياته للعبادة والزهد، ويرفرف فوق الضريح علم أخضر هو نفسه علم مصر قبل قيام ثورة الـ23 من يوليو».
وفى الأقصر وجد «بيخمان»، حالة نادرة في عالم الأولياء، بطلها رجل يدعى الشيخ موسى، والذي يروى عنه أنه عبر النيل فوق منديل، وكان يغادر غرفته ويتجول «بأشكال متعددة»، كما رضع اللبن في صغره من إصبعه، ويقال إن جثمانه قاد حاملى النعش ليعودوا به إلى غرفته ليدفنوه هناك، بينما يقول البعض إن الشيخ موسى دفن نفسه بنفسه، وكان يعرف طريقه دون تردد.
كما سمع السفير الهولندى الأسبق، ما يروى عن الإمام أحمد الرفاعى، وكيف أنه في إحدى حالات الوجد التي كان يمر بها، ذاب في وعاء كبير مملوء بالماء من فرط حبه لله، وحينما شاهدت ابنته الوعاء، ولم تكن تعرف ما حدث، ولم تتوقع أن يذوب أبوها من الوجد، لمحت في الوعاء جسمًا أسود اللون، فقامت بسحبه من الوعاء، لكن الجسم الأسود لم يكن إلا عين الرفاعى، لذا عندما عاد الولى إلى طبيعته البشرية عاد بعين واحدة!.
وسمع أيضًا «بيخمان»، مسجلًا في كتابه كل ما رأه وسمعه، ما يتردد عن الكثير من الأولياء الذين اختفى رفاتهم، ومنهم مارجرجس، فيقال إنه دفن في محلة رزق، القريبة من مدينة أخميم بسوهاج، لكن ثمة رواية عنه تناقض هذه المعلومة إذ يقال إن رفاته وآثاره غير موجودة بمصر، وإنما توجد في الولايات المتحدة، وبالمثل يقال عن الشيخ أبى الحسن الشاذلى، الذي يحكى عنه أنه شعر باقتراب وفاته فطلب من زوج ابنته الشيخ المرسي أبوالعباس، أن يسلم جثته لرجل ملثم يمتطى صهوة جواده سوف يظهر له ساعة وفاته، واشترط «الشاذلي» على «المرسي» عدم اتباع الملثم، الذي سيقوم بغسل الجثمان ودفنه، لكن فضول الأخير تغلب على وصية الشاذلى فتبع الملثم، ورأى وجهه، ولم يكن سوى وجه أبى الحسن نفسه.
وحسبما أورده السفير الهولندى الأسبق في كتابه فإن التجلى والظهور ميزة يتمتع بها الولى المسيحى، إذ يعتقد زوار "الست دميانة" أنها تظهر على هيئة حمامات تعرف من طريقة رفرفة الأجنحة.