على هامش ذكرى وفاة أحمد فؤاد نجم
لم أعرف شاعرا قط نضب شعره مثلما حدث مع أحمد فؤاد نجم، فالمتتبع لمسيرة نجم يجد أنه بدأ كتابة الشعر في منتصف الستينيات، وذاع صيته بعد 1967، حينما كتب قصيدته المشهورة "الحمد لله خبطنا تحت بطاطنا"، ثم أصبح شاعر تكدير الأمن العام في السبعينيات، حتى أنه تحول لمحاكمة عسكرية بسبب قصائده وأول شاعر تناقش قصيدة له في مجلس الشعب وهي:-
قل أعوذو مد بوزو
الجبان ابن الجبانة
كل غدانا
قام لقانا
شعب طيب
كل عشانا
ومن بدايات الثمانينيات لم يكتب إلا أقل القليل حتى وفاته عام 2013، فنجد أن 90% من إنتاجه كان بين عامي 1967 حتى 1982، ومن 1982 حتى وفاته أي ما يقرب من ثلاثين عاما، لم يكتب نجم سوى عدة قصائد معدودة على أصابع اليد وغير مؤثرة.
أي أن عمره الشعري أقل بكثير من عمر وزمن توقفه عن الكتابة واستعانته بكتاباته القديمة واكتفائه بها في مختلف المناسبات، ولسان حاله يقول "ما أنا قلت كل حاجة أقول أيه تاني"، وهى النفس الجملة التي قالها لمذيعة قناة الجزيرة أثناء اندلاع ثورة 25 يناير، حينما طلبت منه أن يقول شيئا فما كان منه إلا أن ألقى قصيدته المشهورة "الورد إللي فتح في جناين مصر"، وهي قصيدة كتبها في مطلع السبعينيات من القرن الماضي..
وهذه ظاهرة غريبة تنافي الغزارة الشعرية عند كل االشعراء في التاريخ، فتشابه المواقف والشخصيات لا يعني أن الشاعر لا يستلهم معاني جديدة وتعبيرات لم يكتبها من قبل، فها هو "نزار قباني" على سبيل المثال ظل حتى عام وفاته يكتب ويكتب، وقبل وفاته بعامين كتب "متى يعلنون وفاة العرب"، وقبلها كتب "المهرولون"، وكتب عن قانا وعن كامب ديفيد وعن الديكتاتوريات العربية، ولم يتوقف يوما، وفي كل قصيدة تعبيرات ومعاني جديدة تحدث زلزالا في الأوساط الأدبية.
فلماذا لم يفعل أحمد فؤاد نجم ذلك ولماذا توقف طيلة ثلاثة عقود لا نسمع ولا نقرأ منه سوى قصائد كتبها في خمسة عشر عاما فقط، حتى أنه في أواخر زمن مبارك كتب قصيدة عن جمال مبارك لم تحدث ضجة تذكر بل بها كلمات خارجة وسرعان ما نسيها الجمهور الذي ما زال يتذكر قصائده في الستينيات والسبعينيات أكثر منها، حتى انتشرت ظاهرة على الإنترنت وهي تقليد أسلوب نجم في كتابة القصائد ونسبها إليه ليخرج هو وينفي أنه كتب ذلك..
عاش ظاهرة ومات ظاهرة حتى في انقطاعه عن الشعر ظاهرة لم تتكرر.