رئيس التحرير
عصام كامل

احتفالات المصريين بالمولد النبوي.. الفاطميون ابتكروا صناعة الحلوى ونظموا المواكب.. إعداد الموائد للفقراء أبرز طقوس الدولة الأيوبية.. والندوات الدينية ودراسة سيرة الرسول أشهر احتفالات العصر الحديث

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

يحرص المصريون على الاحتفال بالمولد النبوي كل عام منذ العصر الفاطمي، مع المحافظة على الطقوس الخاصة بهذه المناسبة من شراء الحلوى وزيارة الأقارب وتنظيم الندوات الدينية.


وكان النبى محمد صلى الله عليه وسلم، أول من احتفل بيوم مولده، إذ كان يصوم يوم الاثنين من كل أسبوع، وعندما سئل في ذلك قال: "ذاك يوم ولدت فيه، وترفع الأعمال فيه إلى الله، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم".. وبعد وفاته ظل المسلمون يحيون تلك الذكرى بالصيام.

الفاطميون
وفي عهد الدولة الفاطمية، كانت المرة الأولى التي يتم فيها الاحتفال، وذلك بصنع الحلوى وتوزيعها وتوزيع الصدقات وإقامة الشوادر بأسواق القاهرة الفاطمية، وتنظيم موكب لقاضى القضاة يحمل صوانى الحلوى، ويتجه الجميع إلى الجامع الأزهر، ثم إلى قصر الخليفة وتلقى الخطب، ثم الدعاء للخليفة.

الدولة الأيوبية
وفي هذا الصدد احتفل صلاح الدين الأيوبى بيوم المولد النبوي من كل عام، وأخرج فيه الكثير من الأموال للموظفين والفقراء، والتي وصلت إلى ثلاثمائة ألف دينار، كما تخرج فيه الكثير من الإبل والبقر والغنم وزفها بالطبول والأناشيد إلى الميدان، ثم الشروع في ذبحها، وطبخها، فإذا كانت صبيحة يوم المولد يجتمع الناس، ويُنصب كرسي للوعظ، وبعد ذلك تقام موائد طعام عامة.

المماليك
وفى أوائل عصر سلاطين المماليك اتخذ الاحتفال بمولد النبى من العظمة والإبهة ما يتناسب مع ما شهده المجتمع المصرى من رفاهية، وكان السلاطين يحرصون على مشاركة رعاياهم الاحتفال بهذه المناسبة.

ففي الليلة الكبيرة من الاحتفال بالمولد ينشئ السلطان خيمة المولد، ويوضع عند أبوابها أحواض من الجلد تملأ بالماء المحلى بالسكر والليمون وتعلق حولها الأكواب الفاخرة المصنوعة من النحاس الأصفر، المزينة بالنقوش، وتربط هذه الأكواب بسلاسل من النحاس.

وفى الليلة الختامية يتلو المقرئون آيات الذكر الحكيم، ثم يأتى بعد ذلك دور الوعاظ، وبعد صلاة المغرب تمد أسمطة الحلوى السكرية مختلفة الألوان، وفى صباح يوم المولد يوزع السلطان كميات من القمح على الزوايا.

العثمانيون
ومع تقدم التاريخ كان لسلاطين الخلافة العثمانية عناية بالغة بالاحتفال بجميع الأعياد والمناسبات المعروفة عند المسلمين، ومنها يوم المولد النبوي، إذ كانوا يحتفلون به في أحد الجوامع الكبيرة بحسب اختيار السلطان.

وبتولى السلطان عبد الحميد الثاني الخلافة، اقتصر الاحتفال على الجامع الحميدي، ويحضر إلى باب الجامع عظماء الدولة وكبراؤها، بجميع ملابسهم الرسمية، وعلى صدورهم الأوسمة، ثم يقفون في صفوف انتظارًا للسلطان، فإذا جاء السلطان، خرج من قصره راكبًا جوادًا، بسرج من الذهب الخالص، وحوله موكب فخم، رُفعت فيه الأعلام، ويسير هذا الموكب بين صفين من جنود الجيش العثماني، وخلفهما جماهير الناس، ثم يدخلون الجامع ويبدءون في الاحتفال، فيبدءون بقراءة القرآن، ثم برواية قصة مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

الطرق الصوفية
وفي العصر الحديث، تحتفل الطرق الصوفية بالمولد في الحسيني بالقاهرة، وتقيم المشيخة العامة سرادقًا لاستقبال أبناء الطرق الصوفية، من مختلف المحافظات، كما تنظم المشيخة العامة احتفالًا يحضره المشايخ، كما تنظم موكبًا من مسجد "سيدى صالح الجعفرى" بالدراسة وحتى مسجد الإمام الحسين.

حلوى المولد
وبدأ ظهور حلوى المولد النبوي في العصر الفاطمي، وكانوا ينتهزون المناسبات الدينية، ويقومون بإعداد الولائم أثناء المولد النبوي ويتضمن ذلك صنع الحلوى وتوزيعها على الحاضرين.

كما ظهرت عروسة المولد في عهد الحاكم بأمر الله، الذي كان يحب إحدى زوجاته فأمر بخروجها معه يوم المولد النبوي، فظهرت في الموكب بردائها الأبيض وعلى رأسها تاج الياسمين، فبدأ صناع الحلوى برسم الأميرة في قالب حلوى، بينما الآخرون يرسمون الحاكم بأمر الله وهو يمتطي حصانه.

المظاهر الحديثة
وتطورت عروسة المولد لتصبح بلاستيكية يكسوها القماش والدانتيل وفي ظهرها الدوائر التقليدية لشكل لعروسة، وأخرى تعمل بالحجارة وترقص، كما تفنن التجار في تقديم عرائس تحمل أسماء راقصات شهيرات مثل صافيناز ودينا وغيرهما، ونجد أيضًا طائفة كبيرة من المصريين أصبحوا يغيرون نغمات أجراس تليفوناتهم المحمولة لتصبح أغنيات دينية ومديحا للنبي.

الفتاوى
وتعددت الآراء والفتاوى عن حرمانية الاحتفال بذكرى مولد النبي، فدعاة الاحتفال يرون أنه مقتضى المحبة والتعظيم للنبي، وأن يوم مولده يوم مبارك لا بد من الاحتفال به، وأن الرسول كان يصوم يوم الاثنين، ولما سئل عن ذلك قـال: "هذا يوم ولدت فيه وترفع الأعمال إلى الله فيه، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم".. وأنه إذا كان العظماء يحتفل بمولدهم ومناسباتهم فالرسول أولى لأنه أعظم العظماء وأشرف القادة.

أما المعارضون للاحتفال فيرون أنه لا يجوز الاحتفال بمولد النبي، فهي بدعة منكرة يجب على أهل الإسلام تركها، وأن الله عوضنا بعيدين "عيد الفطر وعيد الأضحى"، ففيهما الكفاية عن إحداث أعياد واحتفالات منكرة.

كما أن الرسول وأصحابه وخلفاءه الراشدين لم يحتفلوا به، فلو كان حقا أو سنة لبادروا إليها، ولكنهم تركوه لنعلم يقينا أنه ليس من الشرع، فقال صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد".. وقال أيضا في حديث آخر: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد".
الجريدة الرسمية