رئيس التحرير
عصام كامل

أنقذوها من الإعدام!


رقم لا أعرفه وبعده صوت لا أعرفه وبعدهما اسم لا أعرفه..من معي ؟ قالت بصوت حائر خجول: أنا.. وانت لا تعرفني.. لكن ممكن اتكلم معك لدقائق؟ قلت: تفضلي ولكن ممن حصلتي على رقم هاتفي ؟..قالت: ليس مهما كيف حصلت عليه..المهم أنني أحدثك الآن.. أنا هنا ومحكوم على بالإعدام !! قلت: حضرتك هنا فين ؟ قالت: في السجن ! قلت: أي سجن ؟ قالت والعهدة عليها: سجن المنيا.. قلت لماذا ؟ قالت: ستسمعني ؟ قلت: طبعا..تفضلي. قالت: ارتكبت جريمة قتل.. قلت: قتلتي من ؟ قالت: جارتي !


تصورت أن في الأمر مقلبا من تلك التي اعتدنا عليها وكنا فعلناها مع غيرنا ومرات ومرات.. وأن السلف والدين كلاهما يرد على هيئة مقالب معروفة.. كانت تتحدث وتقول إنها تتحدث خلسة من داخل عنبرها وإن التليفون ليس لها إنما يؤجرونه داخل السجن.. وإنها من بني سويف لكنها حوكمت وسجنت هنا.. هناك.. في المنيا.. لا تكتمل المكالمة وأتصور من جديد أن في الأمر مزحة.. اتصل بالهاتف ونجده مغلقا!

تمر الأيام ثم يأتي الصوت نفسه من هاتف جديد لتروي ـ بهدوء وبحالة غريبة من الرضا- تفاصيل جديدة عن جلسات أخرى للمحاكمة وعن معاناة إضافية لكن كنا نلمح أنها تروي بلا أي خوف وبلا أي ندم وبلا حزن ! كأنها تتكلم للفضفضة ليس إلا.. هل هذا صوت لفتاة حكموا عليها بالإعدام ؟ مستحيل ! بل هل هذا صوت لفتاة تقتل أصلا ؟ مستحيل أيضا.. وتنتهي المكالمة التي تتم خلسة من داخل السجن دون أن اعرف السبب ودون أن أعرف كيف حصلت على هاتفي ولماذا..!!

وتمر أشهر وأشهر ثم يأت الصوت من جديد وتفاصيل جديدة ولكون صاحبة المأساة والصوت تتحدث وكأن لاشيء تعانيه على الإطلاق وأنها تتحدث وهي في حالة طبيعيه لذا كان منطقيا أن أسألها هذه المرة: ما مصير حكم الإعدام؟ قالت: خلاص..النقض اترفض ! ازدادت حيرتي حيرة وأسأل نفسي: كيف يكون هذا حال من رفض نقضها على حكم بالإعدام ؟ وأسألها: كيف رفض ؟ وما الإجراء الذي تفكرين به وآخر إجراء لإنقاذك قد انتهى؟.. تتكلم بهدوء وخجل وأدب وكأن شيئا قد جرى ثم تحاول أن تتكلم بعيدا عن الموضوع.. ولما كان ذلك مثيرا ومدهشا طلبت منها رقم هاتف لأحد أقاربها.. والدها أو أخيها..

قالت سأرسل لك رقم شقيقتي.. وأرسلته.. وقالت إنها ستخبر أختها بأني سأحدثها.. وقبل أن أتصل بها للتأكد من رواية أختها وهل هي بقوى عقلية سليمة أم لا أو حتى قبل أن تتصل أختها بنفسها اتصل أحد أقربائها يعيش في مدينة ساحلية.. كان متوترا وحزينا.. واعيا بما يقول.. ورغم أنها المرة الأولى التي نتأكد من صدق وصحة ما نسمعه طوال فترة طويلة إلا أنه قال: هي مسكينة.. تمت خطبتها وهي ابنة السبعة عشر عاما من جار لهم.. وفجأة وجدت إحدى جاراتهم تشن عليها حربا من الشائعات التي تسيء لأي فتاة ولا يقبلها أحد على نفسه.. كان الهدف أن تنفصل عن خطيبها بأي شكل وكان خطيبها لا يصدق أيا منها.. ومشكلة وراء مشكلة ومشاجرة بعد أخرى تطورت إحداها وبلغت حد قتل الجارة..

ولأن أهلها بسطاء فلم يستطيعوا اختيار محام على مستوى القضية فحكم عليها بالإعدام وكاد وقت الطعن أن يمر دون طعن فاستعانوا بمحام كان لا يريد تبني الدعوى لأنهم لا يملكون الإنفاق عليها فلم يقم بما ينبغي وتأيد الحكم.. وقال: كيف يمكن الحكم بالإعدام على جريمة وقعت لفتاة لم تكمل السبعة عشر عاما ؟! قلت: وكف لم يقل المحامي ذلك في مرافعة النقض ؟ قال: لم يكن مهتما وأهلها لم يبلغونا الا بعدها بفترة لأن عزة النفس منعتهم من الشكوي لأحد.. قلت منفعلا ضد إهمال وجهل: وهل تمتلكون من الأدلة ما يفيد بالتعريض بسمعتها ؟

قال: نعم.. رسائل وكتابات جمعناها كلها..قلت: إنها وفيما أظن دليل يفيدها جدا كان من الممكن مراعاته في الحكم الأول.. قال: أهلها بسطاء لم يقدروا خطورة ما جرى.. قلت: وهل هناك أكثر من القتل ليقدرونه؟ قال بتأثر بالغ: نرجوك.. ابحث لنا عن حل.. إنها عانت أربع سنوات من السجن حتى الآن.. إنها في عامها الواحد والعشرين الآن.. وهل ما نقوله يغير من أمر القضية أم لا؟.. هي لا تشعر بما هي فيه وتعتبره كابوسا سينقضي.. أرجوك.. الساعات تمر وقد يعدموها في أي لحظة! قلت: يكفي ما ضاع.. سأرفع الأمر فورا لأهل القانون.. لعل عندهم وعند القانون حلا.. وفيهم كثيرون شرفاء ضميرهم حي.. وهاقد فعلت !
ملحوظة:
الأسماء والبيانات وهواتف أبطال القصة لدينا لمن يهمه الأمر
الجريدة الرسمية