الداخلية..نظرية جديدة في العقاب
"من أخطأ سيحاسب".. هذا كلام صدر عن الرئيس عبد الفتاح السيسي..على الرأس والعين.. وصدر أيضا عن اللواء مجدي عبد الغفار، وزير الداخلية.. أيضا كلام يحترم.
لكن الكلام شيء والواقع شيء آخر.. الكلام سهل وجميل، وله مفعول السحر، ويهدئ النفوس الغاضبة.. إنما التطبيق ليس سهلا، ولا جميلا.. ويثير الغضب من جديد.
الضابط الذي تسبب في حادث الأقصر تم نقله إلى ديوان عام وزارة الداخلية.. ضابط بقسم المرج اعتدى على صحفية، عوقب بنقله إلى قسم النزهة (حيث مقر سكنه).. الضابط الذي أمر مواطنا بالركوع أمامه، ولما رفض الامتثال لأوامره العليا ضربه بالمطواة، ثم أطلق عليه رصاصة من سلاحه "الميري" استقرت في كتفه.. الضابط الذي عذب السائق في بولاق قبل سنوات، وأهان رجولته، وحكم عليه بالسجن 3 سنوات، خرج بعد قضاء فترة من العقوبة، وعاد إلى عمله، وكأن شيئا لم يكن!
إبداع.. نظرية جديدة في مبدأ العقاب!
ما أبسط الحساب.. وما أهون العقاب! هكذا تطلق "الداخلية" على رأسها رصاصات قاتلة.. بيديها، لا بأيدي أعدائها.
تضحيات الشرطة لا ينكرها إلا جاحد، أو مضلل (بفتح اللام الأولى وكسرها).. لكن خلط الأوراق خطأ فادح.. مطلوب قرارات حاسمة.. مطلوب وأد الفتنة، رغم أنها غادرت مهدها، وتوشك أن تصبح أزمة.
عيد الشرطة اقترب.. وعلى الضباط أن يسترجعوا الذكريات الأليمة لما حدث في يناير 2011.. وكلنا أصبنا بالحزن على نكبة الداخلية، وإهانتها.. وتدمير الأقسام، والانفلات الأمني.. ونستعيذ بالله من تكرار تلك المشاهد الدامية.
مطلوب أيضا من أصحاب القرار في "الداخلية" إجراء فحص نفسي كل عام، بصورة دورية، على كل الضباط، من صغيرهم لكبيرهم.. وإخضاعهم لدورات تنمية بشرية لتحسين تعاملهم مع الناس.. أما الاكتفاء بحكاية التصريحات الوردية، والنقل لأعلى، ولأماكن أفضل، فهو بمثابة إشعال فتيل المشكلات، التي نوقن جميعا بأنها فردية.
وإلى صناع القرار أهدي هذه الواقعة التي ارتكبها ضابط بقسم إمبابة بالجيزة.. في أحداث تشبه سيناريو الإسماعيلية، حيث تحرك ضابط بالقسم، استجابة لتحريض بعض الشباب ضد أحد زملائهم لأسباب تافهة.
اقتحم الضابط وأمين شرطة وبعض الأفراد منزل الشاب "حامد محمود" ظهر يوم السبت 28 نوفمبر الماضي، فاعترضتهم شقيقته "هناء" الباحثة في المركز القومي للبحوث، وفي الوقت ذاته خبيرة تنمية بشرية.. وطلبت إذن النيابة العامة.. وكأنها أخطأت.. فأخرج الضابط الهمام "مطواة قرن غزال"..(لاحظ أن المطواة كانت قاسما مشتركا بين أكثر من واقعة، ويبدو أنها صارت ضمن التسليح الشخصي لضباط الشرطة).. تعرضت للسباب بألفاظ قذرة تعف الألسنة عن ذكرها.
المهم، قامت القوة بتفتيش المنزل وأخطأت الباحثة للمرة الثانية، فقد حاولت تسجيل ما يدور في المنزل بالمحمول، فقام الضابط بسحبها من شعرها، ولوى ذراعها، واستولى على الموبايل بالقوة.. وفتح المطواة قائلا: "والله أقطع لك إيدك"، وعندما حاول والدها الدفاع عنها هدده: "ابعد بدل ما أضربك بالنار".
وقام أمين الشرطة بتحطيم الباب.. وعندما حاولت منعه أمسك بيدها ولواها بقوة وقال: "لو مسكتيش هكسرها لك".
وأخيرا تحقق لهم ما أرادوا من تلك الغزوة العنترية.. فقد تمكنوا من القبض على الشاب، وسحبوه إلى الشارع.. وهم لا يتوقفون عن ضربه بقسوة، وسب الجميع، حتى الأم، بأفظع الألفاظ.. مهددين أفراد الأسرة بالحبس!
"هناء" اكتشفت بعد تحريرها محضر في النيابة العامة أن هناك نحو 40 شكوى أخرى من النقيب المتجبر.. ولم تتخذ إدارته ضده أي إجراء.. فعلا الكلام سهل، ولذيذ وجميل.. ثم.. لا شيء. "مفيش مشكلة خالص"!