رئيس التحرير
عصام كامل

هل آن أوان تأديب أردوغان؟


بين الضعف التركي والتشدد الروسي بشأن إسقاط الطائرة الروسية "سوخوي 24"، توترت العلاقات بين البلدين ووصلت إلى طريق مسدود ينذر بمزيد من العقوبات الروسية والخنوغ التركي.


بدا المغرور والمتعجرف أردوغان في قمة الضعف والتناقض منذ بدء الأزمة مع روسيا، فهو يقول إنه حزين وتمنى لو لم يقع الحادث ويأمل ألا يتكرر، ومع هذا يؤكد على صحة التصرف التركي بإسقاط الطائرة!!

أردوغان لاحق الرئيس فلاديمير بوتين بالاتصالات الهاتفية، فيما رفض الأخير الرد عليه، وعندما يأس راح يستجدي اللقاء المباشر في قمة المناخ بباريس، وهو الطلب الذي رفضه أيضا بوتين، بل قام بتوقيع عقوبات اقتصادية وتجارية ضد تركيا ومنع السياحة الروسية إليها، ما يعد ضربة قاصمة للأتراك قياسا بعدد السياح الروس؛ إذ تعتبر تركيا مقصدهم الأول.

قابلت روسيا الخنوغ والارتباك التركي بمزيد من الحزم والتشدد، فالرئيس بوتين اعتبر الحادث "طعنة في الظهر من داعمي الإرهاب"، بينما قال ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الرئاسة الروسية: "إن أقدام تركيا على إسقاط الطائرة المقاتلة هو الجنون بعينه، وإن تعامل أنقرة مع الأزمة يذكره بمسرح العبث".

وتابع بيسكوف: "لا يحق لأحد أن يسقط طائرة روسية من الخلف، ثم إن الأدلة التي قدمتها تركيا بأن الطائرة الروسية انتهكت مجالها الجوي عبارة عن كاريكاتيرات، لذا فإن الأزمة جعلت الرئيس بوتين يستعد بشكل كامل كما تفعل الجيوش في زمن الحرب، حتى يكون الرد متوافقا مع حجم التهديد".

واضح من تصريح بيسكوف، أن الأمر لن ينتهي عند هذا الحد، فكل خطوة تتخذها روسيا يقابلها تراجع تركي، وعندما عززت روسيا الدفاعات المضادة للطائرات ونشرت صواريخ "إس 400" على الحدود السورية، اضطرت تركيا إلى تعليق مشاركتها في غارات التحالف الدولي ضد "داعش"؛ خشية الاحتكاك مع روسيا.

كما اتهم الرئيس بوتين تركيا مباشرة بالتستر على الإرهابيين وحماية عناصر "داعش"؛ للحفاظ على تجارة النفط المزدهرة بينهما، مشيرا إلى أن نفط سوريا والعراق الذي يسيطر عليه "داعش" ينقل إلى تركيا، التي تشتريه بثمن بخس ثم تعيد بيعه إلى العالم، وأمام النفي التركي نشرت روسيا صور بلال ابن أردوغان مع قيادات "داعش" في أماكن عدة، وحتى عندما تنصل أردوغان من اتخاذه قرار ضرب الطائرة الروسية، رد بوتين بأن أطرافا أخرى قررت نيابة عنه، ما يعني أن دولا حليفة له وأكبر منه وراء قرار إسقاط الطائرة.

ما يحدث مع أردوغان يعيد إلى الذاكرة بعض ما جرى مع الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين؛ حيث استغل الغرب وأمريكا غروره وجبروته بأن زينوا له طريق النفوذ والزعامة وشجعوه على احتلال الكويت، ليبدأوا بعدها في تأديبه وتقليم أظافره حتى تم التخلص منه تماما.. وهكذا الأمر مع أردوغان "بائع الكعك والبطيخ"، الذي تخلص بمساعدة الغرب وأمريكا، من كل من يقف في طريق بلوغه السلطة وانقلب على أصدقاء الأمس، حتى بات على مشارف تغيير الدستور التركي لترسيخ سلطته المطلقة، ما يجعله خطرا حتى على من أوصلوه إلى السلطة.

أردوغان الغاضب من الاتحاد الأوربي لعدم الموافقة على قبول عضوية تركيا، أراد الانتقام بأن جعل بلده منفذا لمن يريد اللجوء إلى أوربا، وهناك تسريبات بأن نجل أردوغان يصدر جوازات سورية مقابل المال لمن يريد اللجوء إلى أوربا وأمريكا من أي جنسية، على اعتبار أن الأزمة السورية جعلت الغرب يرحب باستقبال السوريين، وهي النقطة التي استغلها نجل أردوغان في التجارة والتربح.

لكن الأمر تحول إلى مأساة مع زيادة وتيرة الإرهاب والتهديد في أوربا من قبل المتشددين، الذين اندسوا وسط اللاجئين، وهنا لن ينسى الغرب ما فعله أردوغان، وحتما سيرد له الصاع صاعين، بالسعي إلى تأديبه وإعادته إلى حجمه الطبيعي عن طريق وضعه في مواجهة الدب الروسي، الذي لن يتركه ينفد بفعلته النكراء.. لكن كما يقال "رب ضارة نافعة"، فقد أراد أردوغان ضرب العلاقات المصرية الروسية، فانقلب الأمر عليه، ومؤكد أن المنتجات والبضائع المصرية ستجد طريقها إلى روسيا بدلا من الممنوع استيرادها من تركيا، فضلا عن أن مصر ستكون الوجهة المفضلة سياحيا بعد منع سفر السياح الروس إلى تركيا.
الجريدة الرسمية