برلمان السيسي والخلطة التاريخية السحرية!
برلمان السيسي مثله مثل باقى البرلمانات التي شهدتها مصر منذ ما يزيد على قرن ونصف من الزمان، وهو تاريخ أول برلمان شهدته مصر، فالبرلمان أنشأ بمبادرة من الحاكم الممثل للدولة، وحين ينشأ حاكم مؤسسة فلابد وأن تكون في خدمته أو على أقل تقدير ليست معادية له، أو لنقل أنها تأتى دائما لتعبر عن مزاجه الشخصى، ولا يمكن أن تكون على غير إرادته وإلا قام بحلها والتخلص منها، ولنا في تاريخ البرلمانات في مصر العديد من الشواهد والأدلة التي تؤكد ما نذهب إليه بل تؤكد أنه لا يمكن أن يأتى برلمان بدون رضاء الدولة أو بمعنى أدق رضاء الحاكم.
ولن أذهب بعيدا فتجربة البرلمان المصرى تاريخيا خير شاهد وخير دليل، حيث يمكن اختزالها في ثلاثة مراحل أساسية، المرحلة الأولى هي منذ إنشائه وحتى قيام ثورة 23 يوليو 1952، وخلال هذه الفترة كان البرلمان معبرا عن الحاكم تعبيرا مباشرا فهو الذي أقام البرلمان، وفى البدايات كان بالتعيين فكان يختار من يشاء، وعندما أصبح بالانتخاب فكان الحاكم هو من يضع قواعد وشروط الوصول للبرلمان، وبالتالى لم يسمح إلا لمن يرضي عنه للوصول إليه.
وجاءت ثورة يوليو 1952 وقرر الحكام الجدد تغيير قواعد اللعبة الظالمة وغير العادلة، والتي كانت تسمح فقط للأعيان والباشوات والبكوات وأصحاب رءوس الأموال ومن يمتلك الأطيان بالدخول للبرلمان، ولأول مرة ينتصر الحاكم للشعب ويسمح بمشاركته في السلطة خاصة الفقراء والكادحين والمهمشين من العمال والفلاحين والمرأة والشباب وغيرهم، وتم حل الأحزاب وتكوين ما عرف بتحالف قوى الشعب العامل، وكانت مظلته السياسية هي هيئة التحرير التي تحولت إلى الاتحاد القومى وانتهت بالاتحاد الاشتراكى، وتم وضع قانون للعزل السياسي حرم كل من أفسد الحياة السياسية قبل الثورة من المشاركة في العمل السياسي، وبالتالى منعهم من دخول البرلمان، ومن هنا يتضح أن الحاكم هو المتحكم الأول في البرلمان ومن يدخله، لأنه هو المتحكم في وضع قواعد وشروط الترشح من الأساس فمن لا ترضى عنه الدولة أو بمعنى أدق الحاكم لا يمكن أن يصل للبرلمان.
وانتهت تجربة الثورة سريعا بوفاة الحاكم العادل، وجاء خلفه قائد الثورة المضادة التي أطلق عليها ثورة التصحيح، وقام الحاكم الجديد بوضع قواعد اللعبة الجديدة من خلال دستور 1971، وفى منتصف العام 1976 قرر تغيير قواعد اللعبة السياسية برمتها فقام بإنشاء المنابر الثلاث منبر اليمين، ومنبر الوسط، ومنبر اليسار، ومع نهاية العام تحولت المنابر إلى أحزاب، وقرر أن يكون حزب مصر العربي الاشتراكى هو حزب الدولة أو بمعنى أدق هو حزب الرئيس، وفى عام 1978 قرر الرئيس تشكيل حزب جديد له فأنشأ الحزب الوطنى الديمقراطى، وقرر أن يكون هو رئيسه فهرول أعضاء حزب مصر خلفه وأصبح هو الحزب الحاكم، ومنذ ذلك التاريخ والبرلمان تتكون أغلبيته من حزب الرئيس، وقام السادات بعمل خلطة سحرية ظلت مستمرة لسنوات طويلة، وهذه الخلطة مكونة من أغلبية لحزب الرئيس، وأقلية معارضة مسيطر عليها ومنتقاة بعناية، فلا يمكن لمرشح أن يعبر للبرلمان بدون رضا الدولة أو لنقل الحاكم، وعندما قامت الأقلية المعارضة برفض اتفاقية كامب ديفيد قام السادات بحل المجلس في 1979 والإطاحة بهم.
وظل الوضع كذلك بعد رحيل السادات وتولى مبارك للسلطة، حيث استخدم الخلطة السحرية أغلبية من حزبه وأقلية منتقاة بعناية لتمثيل دور المعارضة في مسرحية هزلية تحت قبة البرلمان، وفى نهاية عهده حدثت بعض التعديلات، حيث قام ابنه ومعه أحمد عز أمين تنظيم الحزب الجديد بمحاولة تغيير الخلطة السحرية في انتخابات 2010، لتكون الخلطة الجديدة ليس بها أي نكهة معارضة شكلية ومسيطر عليها بل أغلبية مطلقة بدون معارضة مصطنعة أو شكلية، وجاءت الثورة في 25 يناير لتعلن فشل البرلمان بدون الخلطة السحرية التاريخية، وجاء إخوان الإرهاب ليمارسوا نفس اللعبة لكن لصالح حزبهم الجديد الحرية والعدالة، حيث أصبح هو الحزب الحاكم الذي شكل أغلبية في البرلمان وجاءت المعارضة المنتقاة هذه المرة على عين الحكام الجدد، ولم يستمر البرلمان ولا الحكام أنفسهم طويلا وقامت عليهم ثورة 30 يونيو.
ومعها دخلنا لمرحلة جديدة وهى المرحلة الثالثة لتاريخ البرلمان المصرى وظن البعض – وبعض الظن أثم – أن البرلمان الجديد سيكون برلمان معبرا عن الثورة، لكنه وللأسف الشديد جاء معبرا عن عصابة مبارك، ورغم أن الحاكم هو من يتحكم في البرلمان من خلال وضعه للقواعد والشروط الحاكمة للعملية السياسية، ومن بينها الانتخاب للبرلمان، إلا أن الرئيس السيسي قام بتفويض هذا الحق الذي منحه له الدستور إلى إبراهيم محلب عضو لجنة سياسات الحزب الوطنى، وحكومته فقاموا بوضع قانون يسمح بعودة عصابة مبارك من جديد، وإن لم تكن بنفس الوجوه القديمة فمن خلال صبيانهم الجدد.
فالبرلمان الجديد يسيطر عليه رجال الأعمال الذين شكلوا بدلا من الحزب الوطنى عدة أحزاب كلها على غرار الوطنى، ونجحوا في حصد مقاعد البرلمان، ولم ينسوا الخلطة التاريخية السحرية، حيث سمحوا لبعض الوجوه الجديدة من المعارضة بالمرور ليشكلوا ديكورا جديدا داخل البرلمان، لكنهم سيطروا عليهم بشكل جيد، لذلك يمكننا أن نؤكد أن برلمان السيسي لا يختلف عن برلمان مبارك في شيء، نفس الخلطة السحرية.
لكن على الرئيس أن يعي أن هذه الخلطة لم تعد صالحة مع شعب قام بثورتين من أجل العيش والحرية والعدالة الاجتماعية وكان ينتظر منه قواعد وشروط عادلة للعبة السياسية تأتى ببرلمان معبرا عن أحلام وطموحات الفقراء والكادحين والمهمشين الذين قاطعوا الانتخابات وسوف ينفجرون في أي وقت مادامت أحوالهم تسير من سيئ إلى أسوأ، اللهم بلغت اللهم فاشهد.