رئيس التحرير
عصام كامل

«كشف المستور».. هل يوجد المسجد الأقصى في فلسطين؟

فيتو

أين يوجد المسجد الأقصى؟.. الجواب: فلسطين، هي الإجابة البديهية التي ينطق بها الشخص ما إن يسمع هذا السؤال، دون أن يتسلل أي شك إلى عقله بوجود مسجد أقصى آخر، أو عدم وجوده من الأساس.


تلك الشكوك التي خرج بها علينا الكاتب الكبير يوسف زيدان منذ يومين خلال لقائه مع الإعلامي عمرو أديب في برنامجه "القاهرة اليوم"، حيث أكد في حديثه أن المسجد الأقصى الموجود حاليًا في فلسطين، ليس هو المذكور في القرآن، ورجح زيدان حسب رؤيته الشخصية أن القبلة الأولى كانت ناحية الشمال تجاه مدينة «يثرب»، المدينة المنورة حاليًا.

تصريحات زيدان أثارت لغطًا كبيرًا في وسائل الإعلام وبين رجال الدين، إلا أن تلك التصريحات والشكوك ليست هي الأولى من نوعها حول المسجد الأقصى، فلطالما اختلف علماء الدين حول تفسير أول آيه في سورة الإسراء بالقرآن الكريم، والتي تقول: {سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.

وتباينت التحليلات لمكان المسجد الأقصى الحقيقي، ما بين مفسري وجوده في سيناء، أو السماء، ومن اعتبروه في الهند ومن أنكروا وجوده من الأساس، وترصد «فيتو» تلك التفسيرات التي بنى عليها المشككون كلامهم:

طور سيناء
من أوائل الأشخاص الذين فتحوا أبواب هذا الشك مؤخرًا، هو المفكر المصري أحمد صبحي منصور، الذي أكد وجود المسجد الأقصى في طور سيناء، واستند في هذا إلى بعض الأدلة، على حسب قوله:

أولها: عدم ورود ذكر فلسطين أو المسجد الأقصى في تاريخ فتح عمر بن الخطاب للقدس، متسائلًا: لو أن المسجد كان موجودًا؟ فلماذا لم يذهب إليه؟ ولماذا لم يصلي به عند خروجه من كنيسة القيامة، إضافة إلى عدم ورود ذكر المسجد في كلام الصحابة أو التابعين إلا نادرًا.

ثانيا: أن الآيه الأولى من سورة الإسراء لم يرد فيها ذكر فلسطين، وإنما قيل: {من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله}، وأن فلسطين لم يكن يوجد بها ما هو مبارك في تلك الفترة، ليتم الإشارة إليها.

ثالثا: لذا اعتبر منصور أن المكان المبارك في تلك الحقبة الزمنية كان "طور سيناء" التي شهدت العديد من المعجزات في عهد موسى عليه السلام، مفسرًا الآيه على النحو التالي؛ أن المسجد يقصد به موضع سجود موسى إلى الله عند التجلي، أما الأقصى فهي كناية لبعد المكان عن مكة والبيت الحرام.

السماء والهند
أما التفسيرات الشيعية وأئمتهم، فذهبت إلى اعتبار المسجد الأقصى مكان ما في السماء الرابعة، وهو ما جاء ذكره في كتاب "المسجد الأقصى أين؟"، وتقر كتب الشيعة الإثنا عشرية بعدم وجود المسجد في فلسطين، وتأتي في أحد أحاديثهم، أنه "قال العياشي عن أبي عبد الله: سألت عن المساجد التي لها الفضل، فقال: المسجد الحرام ومسجد الرسول، فقلت: والمسجد الأقصى جعلت فداك؟ قال: ذاك في السماء".

وتتوالى في هذا النطاق الأحاديث في كتب الأئمه الشيعة وتأكيد معظمهم على أن المسجد الأقصى، إما مكان وهمي أو في السماء، ويعتبرون مسجد الكوفة في العراق أكبر مقامًا من ذلك المذكور – على حد تعبيرهم -.

فيما وصلت بعض المزاعم الهندية إلى اعتبار المسجد الأقصى موجود في مكان ما بمدينة قاديان الهندية، وهو ماذكرته صحيفة "الفضل" الهندية في أحد أعدادها فتقول: "لقد قدس الله هذه المقامات الثلاث: مكة، المدينة، قاديان"، دون الاستناد على أي تفسيرات منطقية لمزاعمهم.

التفسير التاريخي
وتذهب جميع تلك المزاعم إلى تفسير تاريخي واحد يقول، أن المسجد الأقصى الموجود الآن في فلسطين بناه عبد الملك بن مروان لجذب الناس إلى الشام، حيث كانت تدور في تلك الحقبة حروبًا ومناوشات بين دولة الخلافة في الحجاز والأخرى في الشام، فكان مروان يريد تثبيت حكمه بجذب الناس إليه، بالإستناد إلى شيء عقائدي قوي.

ويستمر هذا التفسير، أن الملتفين حول مروان أشاروا عليه ببناء المسجد، وتسميته بالمسجد الأقصى، وأمر الناس بالحج إليه ومعاقبة من يخالف تلك الأوامر، حتى يعتقد الناس يومًا بعد يوم أن هذا هو المسجد الأقصى الحقيقي – على حد الزعم التاريخي -.

ويشير ذلك التفسير أن الآلة الإعلامية الأموية في ذلك الوقت استطاعت عبر المساجد والمدارس في أن تثبت تلك المزاعم، مؤكدين أن هناك جملة من الصحابة والمؤرخين عابوا عليه في ذلك الوقت، أمثال عبد الله بن عمر.

مزاعم وعبث
فيما اعتبر علماء الدين الحاليين، أن جميع تلك المزاعم ما هي إلا كلام عبثي لا أساس علمي أو مادي له، وإنما هو نتاج شطحات لعقول بعض الأشخاص، مؤكدين ضرورة إخماد تلك المزاعم التي تثار في أوقات غير مناسبة، لأن مثل هذه المزاعم تؤثر بالسلب على عقيدة الإيمان بالحق التاريخي في فلسطين والقدس والمسجد الأقصى، وتضعف من تمسك البعض ومقاومتهم لإسرائيل، في إشارة واضحة إلى أن جميع تلك المزاعم تخدم إسرائيل والدولة اليهودية بشكل أو بآخر.
الجريدة الرسمية