رئيس التحرير
عصام كامل

رجل آخر في بيتي


في الصباح الباكر أمارس طقوسي الصباحية، أمد يدي لأتناول الجيل الوردي الذي أستخدمه كل صباح لغسيل الوجه، أشم رائحة عطر رجالي لم أتعود عليها تغرق المكان لماركة غير التي يستعملها زوجي، أجفف وجهي وألتقط كريم الوجه الصباحي فأجد إلى جواره تحت المرآة شفرة حلاقة مختلفة عن تلك التي يستخدمها زوجي، أعلى جهاز تنشيف الملابس فوق المفرش البني ترقد حقيبتي السوداء وبها مجفف الشعر، أفتح الحقيبة لأتناوله فيلفت انتباهي قميص ملقى بمقاس آخر غير مقاس زوجي..

الأفكار تشتعل في رأسي، رجل آخر في بيتي، أدير الحقيبة الفضية المدرجة لأضع اللمسات الأخيرة لمكياجي، ألمح إلى جوارها مزيل شبابي لرائحة العرق لا يتناسب وعمر زوجي، أمد فرشاة بلون سماوي فوق جفوني وقلبي يدق رجل آخر في بيتي..

أنادي ابني الأصغر بعد أن ارتدى ملابسه وتناول إفطاره، قبل أن أخرج أنظم سريره الصغير وألقي نظرة على سرير آخر منظم استيقظ صاحبه وتناول إفطاره وترك رائحة برفانه، وألقى بقميصه لأغسله وسبقني وخرج..

إنه رجل كنت المرأة الأولى بحياته، أول امرأة احتضنته وأول امرأة قبلته، أهديته قلبي حين نبض قلبه بداخلي قبل أن أراه، بالأمس القريب كان طفلا صغيرا متعلقا بي لا يستيقظ إلا إذا أيقظته ولا يأكل إلا إذا جهزت له طعامه ولا يخرج إلا بصحبتي، كان ابني الأول طفلا هو الآخر مثل أخيه الصغير وكبر في غفلة مني ومن الزمن، وانتقل إلى مرحلة المراهقة وطالت قامته حتى تخطتني، متى نبتت شعيرات الرجولة في وجهه لتكون شاربا وليدا ولحية عذراء، ويوما ما وربما ليس ببعيد تدخل حياته امرأة أخرى غيرى؟

احتضنت يد ابني الأصغر، لا تكبر سريعا يا شادي فبعد سنوات لا أصدق أنني سأخرج وحدي، كم أتمنى لو أعيدكما صغارا حين كنت أعود من عملي فتتدحرجان على السلم لاستقبالي، وتفتشان ببراءة عن الحلويات بشنطة مشترواتي، كم سأشتاق إلى ضجيج عناقكما الذي يحيي القلب وإلى إزعاج شجاركما الذي يحيي جدران البيت!

وحين تقرران واحدا تلو الآخر أن تهجرا دنيا كنت أنا فيها القائدة والناصحة والموجهة، ليصبح لكل منكما دنياه، وبعد زمن طال أم قصر أرحل عن الحياة وأترك لكل منكما رسالة، لا تنسياني يا ابنيَّ وادعوا لي واذكراني..
الجريدة الرسمية