رئيس التحرير
عصام كامل

زيــارة البابــا للقــدس


حظيت زيارة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، للقدس يوم الخميس الماضي، ليترأس صلاة الجنازة على جثمان مطران الكرسي الأورشليمي الأنبا إبراهام، بالكثير من الجدل في الأوساط المصرية، السياسية والشعبية والدينية، بين التأييد والمعارضة، خاصة أنها أول زيارة يقوم بها بابا الإسكندرية منذ 1967، كما أنها تبدو مخالفة لقرار المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية (26 مارس 1980) الذي مَنع سفر المسيحيين المصريين للأراضي المقدسة؛ التزامًا بمقاطعة قطاعات واسعة من الشعب المصري زيارة فلسطين عقب اتفاقية كامب ديفيد.


وقد أكد المتحدث الرسمي باسم الكنيسة القبطية القمص بولس حليم، أن موقف الكنيسة لا يزال كما هو ولم يتغير، مشددًا على أن زيارة البابا للقدس لا علاقة لها بأي أجندة سياسية، وإنما تأتي لأسباب دينية وروحية، وقد أكد البابا أيضًا نفس المعنى عقب وصوله القدس.

إن الجميع سواء كان مؤيدًا للزيارة أو معارضًا لها، يدرك أن هذه الزيارة ليس لها أي مدلول سياسي – حتى كتابة هذه السطور – وإنما هي دينية وروحية، ولا تعني تطبيعًا للكنيسة القبطية مع دولة إسرائيل، وإن كل ما يُثار حولها هو بمثابة رد فعلِ إزاء حدثٍ جاء بعد عقود خمسة.

إن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لها حضور في القدس، ولديها كنائس والأنبا إبراهام الراحل هو مطرانها هناك، وإن صلاة البابا عليه أمرٌ طبيعي، خاصة أن الاثنين تربطهما علاقات روحية شخصية.

إن السفر للقدس وزيارة الأماكن المقدسة لا يتعارض مع الإيمان المسيحي، ولا مع تعاليم الكتاب المقدس التي تدعو إلى المحبة، حتى محبة الأعداء والصلاة من أجلهم.

إن دور الكنيسة هو دور رعوي وإرشادي واجتماعي وليس سياسيًا، وليس لها أن تتدخل في السياسة (اعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله).

لقد طالب وناشد الرئيس الفلسطيني محمود عباس – أبو مازن – مرارًا وتكرارًا كل شعوب العالم خاصة الشعب المصري، بزيارة القدس الفلسطينية دعمًا للمدينة المقدسة ومقاومةً لتهويدها.

إن المرء لينتهز هذه "الفرصة التاريخية" ليؤكد على عددٍ من الحقائق الجلية التي يعيشها الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي وما يكابده طوال يومه، على مرأى ومسمع من العالم دون التحرك لإنهاء الاحتلال عن أرضه ورفع المعاناة عنه.

لقد ابتلع الاحتلال جُل الأراضي الفلسطينية ولم يتبق للشعب الفلسطيني إلا الفتات المتناثر من تلك الأراضي.

إن تهويد القدس يجرلا على قدم وساق، والاعتداءات اليهودية على المقدسات المسيحية والإسلامية تتواصل دون تحرك الضمير أو الفعل العربي والإسلامي والدولي، وقد يأتي اليوم الذي لا نجد فيه "القدس العربية" على الخريطة.

النزاع الفلسطيني – الفلسطيني، والأوضاع المشتعلة في منطقة الشرق الأوسط برمتها، والحرب على الإرهاب، كل ذلك أدى إلى إبعاد القضية الفلسطينية عن الأجندة العربية، وأيضًا الدولية، وأجلها إلى أجل غير مسمى.

ولعل زيارة البابا تواضروس الثاني للقدس، تفتح صفحة جديدة للقضية الفلسطينية، وتكون بداية لحراكٍ عربي ودولي لإنهاء مأساة شعبٍ يرزح تحت الاحتلال منذ نصف قرن، غير أني لا أعتقد.
الجريدة الرسمية