رئيس التحرير
عصام كامل

«نزيف الدماء» على القضبان ينتظر محاكمة المسئولين ... 6000 قتيل و الحكومة «شاهد ما شافش حاجة»

صوره ارشيفيه
صوره ارشيفيه

يبدو أن قاطرة الفساد لم تتوقف بعد.. فالحكومات المصرية المتعاقبة لا تعرف محاسبة الفساد.. وفي السكك الحديدية للفساد أشكال وألوان.. ومسئولو المنظومة لهم مخالب وأنياب.

فالحديث هنا عن تراخي حكومات مصر المتعاقبة في محاسبة مسئولي السكك الحديدية عن نزيف أرواح المواطنين التي سالت على القضبان والتي اكتفت فقط بمعاقبة الإدارة التي تنحصر بإقالة المسئول أو نقله إداريًّا دون محاسبة جنائية، مما أحاطها بالغموض طويلًا وتراكمت حولها العشرات من علامات الاستفهام بعد أن شعر مُرتكبوها أنهم فوق المساءلة والقانون في ظل غياب المحاسبة.

خطوط السكك الحديدية في مصر هي الأقدم والأكبر في منطقة الشرق الأوسط؛ حيث تمتد لنحو خمسة آلاف كيلو متر بحسب تقديرات هيئة السكك الحديدية المصرية، يعمل بها نحو 86 ألف شخص وتعتبر القطارات وسيلة التنقل الرئيسية بين البلدات والمحافظات المصرية ويستخدمها يوميًّا الملايين.
لا توجد إحصائية حديثة مؤكدة عن عدد ضحايا حوادث القطارات في مصر، إلا أن أكثر من ستة آلاف مصري قتلتهم القطارات في مصر خلال العشر السنوات الأخيرة وأصيب أكثر من 21 ألف آخرين.

شهدت مصر العديد من حوادث القطارات يبقى أبرزها ما يعرف بكارثة العياط عام 2002 التي تُعد الأكبر في تاريخ سكك حديد في مصر، مما أسفر عن مقتل 361 شخصًا، إلا أن القضاء برأ المتهمين كما قُتل 12شخصًا وأصيب 60 في تصادم قطارين شمالي القاهرة في ديسمبر 1993، وبعده بعامين قُتل 75 راكبًا وأصيب المئات وفبراير 1997 أدى خلل بشري وخلل في الإشارات إلى وقوع 11 قتيلًا، ولم يمض عام وفقد المصريون 50 شخصًا ويُصاب أكثر من 80 آخرين، وفي أبريل 1999 قُتل 10 من ركاب قطار وأصيب أكثر من 50، وفي مايو 2006 بالشرقية أصيب 45 شخصًا، بينما قُتل بالمنصورة 80 قتيلًا و163 مصابًا في يوليو 2006 وأكتوبر 2009 تكرر حادث العياط الذي راح ضحيته 30 شخصًا، ومؤخرًا أصيب العشرات في حادث قطار البدرشين في يوليو العام الجاري.

تسببت ﺣوادث القطارات ﻓﻲ اﻹطﺎﺣﺔ ﺑﻌدد من المسئولين أبرزهم اﻟدﻛﺗور «إﺑراﻫﯾم اﻟدﻣﯾري» وزﯾر اﻟﻧﻘل اﻷﺳﺑق ﻓﻲ ﻓﺑراﯾر 2002، ﻛﻣﺎ اﺳﺗﻘﺎل «أﺣﻣد اﻟﺷرﯾف» رﺋﯾس ﻫﯾﺋﺔ ﺳﻛك اﻟﺣدﯾد ﻓﻲ أﻋﻘﺎب اﻟﺣﺎدث ﻧﻔﺳﻪ في حين أﻗﺎل «ﻣﺣﻣد ﻟطﻔﻲ ﻣﻧﺻور» وزﯾر اﻟﻧﻘل اﻟﻣﻬﻧدس «ﺣﻧﻔﻲ ﻋﺑد اﻟﻘوى» رﺋﯾس ﻫﯾﺋﺔ السكك الحديد ﻓي أﻏﺳطس 2006، إلا أنه شخصيًّا تقدم باستقالته في 27-10-2009 على خلفية تصادم قطارين جنوبي القاهرة.

استنكر خبير اقتصاديات النقل الدكتور «أيمن النحرواي» غياب محاسبة المتسببين في نزيف دماء المصريين يوميًّا على قضبان السكك الحديدية من الوزراء ورؤساء هيئات السكك الحديدية على مدار حكومات مصر المتعاقبة.

وندد «النحراوي» بعدم توقيع عقوبات جنائية على المسئولين السالف ذكرهم نتيجة إهمالهم الشديد في أداء واجبهم مما أسفر عن وفاة آلاف الأبرياء هباء.

وحمل الحكومات المصرية المتعاقبة قبل وبعد الثورة المسئولية الكاملة لتقاعصها عن القصاص لأرواح المواطنين واكتفائها بالعقوبات الإدارية فقط،كذا حملها مسئولية عدم تطوير خطوط وقطارات السكك الحديدية التي باتت متهالكة ولا تصلح للاستخدام الآدمي.

ولم يخالفه الرأي أستاذ هندسة الطرق بجامعة القاهرة الدكتور «مجدي صلاح نور الدين» أن حكومات مصر المتعاقبة تتحمل المسئولية الكاملة في نزيف أرواح المصريين التي سالت في حوادث تصادم قطارات سببها الإهمال دون محاسبة المسئولين.

وطالب «نور الدين» بضرورة إعادة محاسبة مرتكبي تلك الجرائم البشعة في حق المصريين الأبرياء الذين راحوا ضحية الإهمال والتقصير، مستدلًا بعدم محاسبة الوزير «إبراهيم الدميري» في 2002 ووزير النقل الأسبق «محمد لطفي منصور» في 2009 بالجزاء الإداري دون محاكمة جنائية.

ومن جهته يرى أستاذ القانون الجنائي عميد كلية الحقوق السابق بجامعة القاهرة الدكتور «حسنين عبيد» أن تقاعص الحكومة عن محاسبة المسئولين في العديد من كوارث تصادم القطارات يعاقب عليه جنائيًّا نتيجة حمايتها مجموعة من الفاسدين دون تقديمهم إلى محاكمات جنايئة لإهمالهم العمد بقتل آلاف الأبرياء.

وأكد أستاذ القانون الجنائي أن القانون لا يتهاون في معاقبة إهمال المسئولين، مما يضع جميع رؤساء هيئات السكك الحديدة تحت طائلة القانون في جميع حوادث القطارات خلال الأعوام الماضية، منددًا بعدم فتح باب التحقيقات معهم حتى الآن.

الجريدة الرسمية