اعتقال 100 رجل أعمال!!
في شهر نوفمبر من العام 2013، وعلى طريقة المأثور المصري: «اضرب المربوط يخاف السايب».. فاجأ الرئيس الفنزويلى «نيكولاس مادورو»، العالم كله بخطاب قوى، أعلن فيه أن سلطات بلاده اعتقلت أكثر من مائة رجل أعمال يقفون وراء «زيادة الأسعار» في البلاد؛ قائلًا: «إنهم همج، ورأسماليون طفيليون يحققون أرباحًا تصل إلى 1000%».. معلنًا أن حكومته تعد قانونًا يضع حدًا لأرباح الشركات الوطنية والشركات الأجنبية في فنزويلا يتراوح ما بين 15 و30% فقط.
ولأنه رئيس «منتخب»، ويعمل لصالح شعب جاء به على رأس السلطة، فإن «مادورو» لم يلجأ إلى استخدام عبارات التورية، أو الاكتفاء بالتلميح.. بل كان صادمًا للجميع بالإفصاح عن أسماء الشركات، وبعض رجال الأعمال الذين يحققون ثروات طائلة على حساب الشعب المصنف ضمن دول العالم النامي؛ ما جعل شركة «جوديير» الأمريكية، عملاق صناعة إطارات السيارات، تسارع إلى تخفيض سعر إطاراتها 15% فقط، إلا أن «مادورو» رفض هذا التخفيض بقوله: «إنه ليس كافيًا.. أنتم تنهبون المواطنين»، ثم أصدر أمرًا خلال الخطاب للجهات الرقابية المعنية بأن ترسل المفتشين إلى هذه الشركة؛ لتقدير تكلفة الإنتاج وعدم السماح لها بأن تكسب أكثر من 30%.
لم يخشَ الرئيس الفنزويلي بقراراته هذه من مافيا المدافعين عن الرأسمالية المتوحشة، واقتصاديات السوق العمياء، وعصابة «العرض والطلب».. ولم يعمل حساب هجوم رجال الأعمال عليه، لما يمتلكونه من نفوذ وسطوة.. ولم يضع في حسبانه المؤسسات الاقتصادية الدولية التي من الممكن أن تقود ضده حربًا لا هوادة فيها.. لم يخضع لابتزاز صندوق النقد الدولي.. بل إنه غامر بمنصبه، واتخذ ما رآه في صالح الشعب، دون الانتظار إلى موافقة البرلمان، ولا البقاء تحت رحمة رجال الأعمال الذين يمنون عليه بتبرعاتهم لصندوق «تحيا فنزويلا»؛ فكانت النتيجة أن ارتفعت شعبيته إلى عنان السماء، وبات نموذجًا يحتذى به.
لقد وعد الرئيس عبد الفتاح السيسي بانتهاء أزمة ارتفاع الأسعار أوائل شهر ديسمبر المقبل؛ وما أظن أن هذا الوعد سيتحقق، رغم الجهود المبذولة، وفتح منافذ بيع جديدة وبأسعار أقل من مثيلاتها في «الهيبرات الهاي كلاس».. فما لا يغيب عن ذهن الرئيس أن أكثر من 50% من الشعب المصري لا تصل إليهم منتجات القوات المسلحة، ولا وجبات وزارتي التموين والزراعة، ولا يعرفون إلا التسوق بـ«الشروة»، منتظرين «البيعة الردية في آخر السوق»!
ليس معنى كلامي «تأليب الرئيس» على رجال الأعمال المتوحشين، أو تحريضه على أصحاب الشركات الكبرى، وواضعي أيديهم على أراضي وأملاك الدولة، وناهبي المال العام.. بل تذكيره فقط بأن الشعب أصبحت روحه في طرف أنفه، والمسكنات فقط لا يمكنها أن تقضي على المرض، لكن ربما تكون آثارها الجانبية «كارثية» على المدى الطويل.
أُذكِّر الرئيس- علَّ الذكرى تنفع المسئولين- أن الحديث عن العدالة الاجتماعية ليس ترفًا، وليس إثمًا.. فإلى الآن لم يتم تطبيق الحدين الأدنى والأقصى للأجور في كل مؤسسات الدولة؛ ما يعني استمرار تكدس الأموال في جيوب الأغنياء، وزيادة ثرواتهم على حساب العمال المقهورين، وعلى حساب الشعب البائس الفقير.
مَنْ يراجع الأسواق وأسعار السلع المختلفة، يكتشف- بسهولة- أن بعض المنتجين «الجشعين» رفعوا أسعار منتجاتهم الرديئة بمعدلات تتراوح ما بين 50 و200% خلال عامين فقط، في الوقت الذي خفضوا فيه الأجور، واستغنوا عن مئات الآلاف من العمال، بحجة الانهيار الاقتصادي.. بل إنهم يلجئون إلى حيل جهنمية؛ لخفض الإنتاج، وتعطيش السوق، لزيادة أسعار منتجاتهم؛ معتمدين على غياب الرقابة، أو تواطؤ بعض المسئولين معهم، وعدم وجود قانون يحاسبهم على ممارساتهم الاحتكارية..
إن العديد من الخبراء والمتخصصين أكدوا أن رجال الأعمال «الحيتان» يحققون أرباحًا تتراوح ما بين 100 و1000%، وهي نسبة قد لا تحققها مافيا المخدرات، ولا عصابات تهريب السلاح.. ما يعني أننا في أشد الحاجة إلى قرارات «ثورية» كما فعل رئيس فنزويلا، وليست قرارات «نانسية» على طريقة «أطبطب وأدلع»..!
فهل وصلت الرسالة؟!