رئيس التحرير
عصام كامل

جرائم لا تسقط بالتقادم


لن تحقق الدولة نجاحا في حربها على الفساد، ما لم تفتح كل ملفاته السابقة، حتى يطمئن الشعب إلى أن الدولة جادة حقا في تلك المواجهة، ويدرك الفاسدون أن الجرائم التي ارتكبوها في حق الشعب.. لا تسقط بالتقادم.. ويفكر الذين يتطلعون للسير على خطاهم ألف مرة قبل أن يرتكبوا جرائم جديدة.


وعلى سبيل المثال.. ليس مقبولا أن تمر الجريمة الكبرى التي ارتكبها بعض رجال الأعمال بالاستيلاء على آلاف الأفدنة في الصحراء وسد احتياجات المصريين من القمح والخضراوات، وبدلا من ذلك قاموا بتحويلها إلى منتجعات سياحية تباع بالملايين.. دون أن تتصدى الدولة لوقف الجريمة ومحاسبة المجرمين.

ونتذكر جميعا الحملات الإعلانية التي مهدت للجريمة، وتقديم الذين قاموا بالسطو على أراضي الدولة بأنهم رواد اقتحام الصحراء الذين سيحولونها إلى مزارع خضراء، تساهم في سد الفجوة الغذائية، وتستوعب آلاف العاطلين الذين سيقدمون من كل المحافظات ليعملوا في تلك المزارع.. التي سيقام عليها صناعات صغيرة تعتمد على المنتجات الزراعية، وتلك هي الصورة التي تم تصديرها للمصريين، وأنفقت عليها ملايين الجنيهات في حملات إعلانية سواء في الصحافة أو المحطات التليفزيونية الفضائية.

انتظر المصريون طويلا أن تتحقق تلك الوعود على أرض الواقع، وأصابهم الإحباط بعد أن اكتشفوا الحقيقة المرة، أن شبكة الفساد حولت حلم غزو الصحراء واستزراعها إلى منتجعات دون مراعاة لحق الدولة.

وعندما استيقظت الدولة وحاولت استرداد حقوقها المنهوبة، وُوجهت بحملات شرسة من جانب أصحاب المصالح.. وهدد بعض رجال الأعمال بالخروج من السوق المصرية!

جريمة أخرى لا تقل عن سابقتها بشاعة، جرت بالتواطؤ بين الفاسدين في الإدارة المحلية وبعض أصحاب المساكن الذين أقاموا أبراجا في معظم المحافظات دون الحصول على تراخيص، دون مراعاة أن البنية الأساسية لا تحتمل تلك الارتفاعات.. وأن حياة السكان مهددة لعدم مراعاة أصحاب الأبراج لشروط البناء، وكان لتلك المخالفات آثار واضحة في غرق الإسكندرية والبحيرة.. ولا يجب أن تمر تلك الجريمة دون عقاب، وأن يحاسب المسئولون السابقون والحاليون في الإدارة المحلية الذين قاموا بالتغطية على تلك الجرائم، حتى نمنع استمرارها.

الجريمة الثالثة التي ترتكب في كل محافظات مصر هي البناء على الأراضي الزراعية التي تتعرض من سنوات للتقلص؛ بسبب البناء المخالف عليها..

وآسف أننا نسمع أصواتا عديدة، تطالب بالمصالحة مع هؤلاء الذين ارتكبوا تلك الجرائم البشعة في حق الوطن، بدعوى التعامل مع الأمر الواقع، وأن إصرار الدولة على محاسبة الذين ارتكبوا تلك الجرائم.. لن يعيد الأراضي الزراعية التي تم البناء عليها ولم تعد تصلح للزراعة، كما أن الأفضل للدولة أن تحصل على تعويضات مناسبة من الذين لم يلتزموا بالتصاريح المخصصة لاستزراع الأراضي الصحراوية، وقاموا بتحويلها إلى منتجعات سياحية.

وقد يبدو هذا الطرح للوهلة الأولى مقبولا، لكنه يتغافل أن الفساد لن يتوقف مادام الذين ارتكبوا تلك الجرائم لن يتعرضوا للمحاسبة.. ويستبدلونها بدفع بعض الأموال التي نهبوها من المصريين.

كما يتجاهل دعاة المصالحة.. أن الدولة لن تعدم الوسائل لكي تستعيد أموالها المنهوبة بالوسائل القانونية، ولا تنتظر من الذين أفسدوا الحياة السياسية والاقتصادية في مصر.. أن يردوها طواعية.

فتح ملفات الفساد السابقة.. خطوة ضرورية لإثبات جديد الدولة في محاربته.. وأن تلك الجرائم لا تسقط بالتقادم.
الجريدة الرسمية