رئيس التحرير
عصام كامل

الرأسمالية الوطنية


"كل رجال الأعمال حرامية ولصوص وجمعوا ثرواتهم بوسائل ملتوية".. هذه الجملة تلخص ثقافة معظم المصريين تجاه فئة لديها الموهبة والمقومات للنجاح في الاستثمار، وزيادة رءوس أموالها من خلال مشروعات أو تجارة أو أي شكل من الأشكال المعروفة والمشروعة في هذا المجال.


ورغم أن فترة ما قبل ثورة 23 يوليو شهدت انتعاشا للرأسمالية الوطنية، التي كان لها الدور الأكبر في النهوض بالاقتصاد المصري.. ولعل طلعت حرب خير مثال، لكن ثقافة العداء لرجال الأعمال ظلت متحكمة في عقول الكثيرين، ربما تأثرا بالحقبة الناصرية التي تفننت في تشويه التجارب السياسية والاقتصادية خلال  فترة الملكية، حيث  عملت على استخدام العاطفة واستغلال  الظروف المعيشية الصعبة لعامة الشعب في ترسيخ مفهوم خاطئ بأن الأحزاب والرأسمالية رجس من عمل الشيطان.

وجاءت حقبة السادات فأفرزت المستغلين الذين ارتدوا ثوب رجال الأعمال، فقاموا بتحويل الانفتاح إلى "سداح مداح"، كما وصفه أحمد بهاء الدين.. وكانت النتيجة أن تجربة الانفتاح قدمت نماذج لمستوردي اللحوم الفاسدة باعتبارهم رجال أعمال، وهم في الحقيقة رجال تهليب ومص دماء الغلابة.

وأتى الدور على فترة مبارك التي استمرت 30 عاما، وشهدت السنوات الأخيرة فيها بشكل خاص، نماذج صارخة لرجال أعمال كانت كل أعمالهم نهب أراضي الدولة وثرواتها.. فكان هؤلاء "إلى جانب الممارسات الأمنية" سببا في قيام ثورة 25 يناير.

والغريب أن معظم هذه العناصر ممن جمعوا المليارات من نهب البلاد والعباد، يتصدرون المشهد الآن ويتكلمون عن الوطنية والإنتاج وحماية مصر وحب الوطن.

كل هذه العوامل وغيرها كفيلة بترسيخ مفهوم خاطئ عن رجال الأعمال الحقيقيين الذين يمثلون الرأسمالية الوطنية وجمعوا ثرواتهم بمجهوداتهم، ومشروعاتهم على أرض الواقع وليست لافتات وشعارات.. ويشاركون بفعالية في الإنتاج والتصنيع والتصدير.. ويكونون صورة إيجابية بأن هناك أملا في استثمار حقيقي في مصر.

وهذه النماذج موجودة بيننا وتعمل بلا ضجيج.. لكنهم يتساوون في مفهوم الناس مع غيرهم ممن استخدموا لقب رجل أعمال في ممارسة كل ما هو غير مشروع.. وأصبح نجاح مصر اقتصاديا الآن مرتبطا بالتمييز بين الصنفين؛ لوقف مسلسل النهب تحت شعارات الاستثمار.. وفي نفس الوقت التعامل مع الرأسماليين الوطنيين بما يستحقونه وبما يفتح أمامهم الباب لمزيد من التوسعات والنهوض بالاقتصاد.. وعلى مؤسسات الدولة أن تبادر بذلك إذا كانت لديها رغبة جادة في تشجيع الاستثمار الحقيقي وليس التهليبي "من التهليب والمهلبية معا"!!
الجريدة الرسمية