بالفيديو.. المفكر يوسف زيدان: مبارك وليس ثورة يناير وراء تصدر الإسلام السياسي للمشهد
- مصر تعيش مرحلة أشبه بزمن ابن نفيس في القرن السابع الهجرى
- ازدراء العقل الجمعى لا يقل خطرا عن ازدراء الأديان
- الإخوان لعبو بالسلفيين وسامونهم سوء العذاب
- فصل الدين عن الدولة ليس له مبرر
- إسلام البحيرى غير متعلم ويدعى بطولة زائفة
- فيس بوك شبكة تفاعل ثقافي وإجرامي في آن واحد
- لم أعد أثق في أداء المؤسسات الحكومية بمصر بسبب عطبها الشديد
- الصالونات الثقافية في الإسكندرية اختفت "علشان مافيش مكان"
- قضية إتهامى بازدراء الأديان مازالت مفتوحة
- ليس من المنطقى إلهاء الرأى العام بقضايا الهرج والمرج.. والدين ليس أداة عقاب
- الإمام الشافعى غير مذهبه كاملا عندما انتقل من العراق إلى مصر
- ليس من الإنصاف أن نتهم الإمام الشافعى بأنه السبب وراء نشر الأفكار المتطرفة الآن
- الإعلام يعاني من جهل القائمين عليه والمتحكمين فيه على حد سواء
- اقناع البسطاء أن شخصا ما "بتاع ربنا" دليل على تخلف الوعى العام
- لم اعتزل وتوقفت عن العمل الثقافى كى ألفت النظر لخطورة شيئ ما
- الإسكندرية لم تعد المدينة الملهمة بل أصبحت عاصمة الملح والقسوة
- "فقة الحب" يناهض خطابات العنف والكراهية
- "ابن تيمية" ليس إرهابيا ولا أدافع عن أفكاره
- السلفيون يبحثون عن دور من خلال انتخابات مجلس النواب المقبل
عدسة: ريمون وجيه - محمد حكيم
لم تمنعه ثقته في أداء المؤسسات الحكومية من إيمانه بالنهوض بوعى وثقافة الشباب، فهو بالنسبة لهم أبا روحيا وهم بالنسبة له مستقبل أمة.
المفكر الدكتور يوسف زيدان أستاذ الفلسفة بجامعة الإسكندرية كان كعادته صريحا في حديثه، صادما في تحليلاته للقضايا التي تشغل الرأى العام.
عندما سألناه عن سر اعتزاله العمل الثقافى في إحدى الفترات الماضية، أجاب " لم يكن اعتزالا بمعناه الحرفى،ولكنى توقفت في لحظة عن العمل الثقافى، كى ألفت النظر عن خطورة شيئ ما، وأنما لم أتوقف عن كتابة الكتب والروايات، فقط توقفت عن كتابة المقالات وعمل الندوات والتفاعل مع الاعلام في فترة لتوجيه الانظار إلى مارايت أنه طامة كبري تقع ولا حد يهتم، وهذا لتوجيه النظر".
" زيدان" تحدث في حوار لـ "فيتو" عن رؤيته لاستمرار طرح قضايا مثل فصل الدين عن الدولة بأنها نوع من اللعب السياسي المستهلك..واصفا الإصرار على إسناد الأعمال الإرهابية لابن تيمية بأنها "جهل بين" يخدم أجندات دول بعينها.
أيضا أكد "زيدان" بشكل حاسم أن معركة "مصر دولة علمانية بالفطرة" ما هو إلا نوع من "الخبل العام".. وإلى نص الحوار:
• نحن بصدد صدور كتابك" فقه الحب".. لماذا اخترت هذا العنوان؟
هذا الكتاب له قصة، ففى الوقت الذي دخلت فيه الجماعات الدينية الحياة السياسية وما تبعه من تسلل الإخوان للحكم، أصبح الاتجاه العام عند الناس تأجيج خطابات الغل والعنف وكراهية الآخر بسبب اختلاف الانتماءات الدينية، وظهرت لنا فتاوى شاذة كجواز تزويج البنت في سن السابعة طالما تطيق النكاح، وهذا كلام مرضى نفسيون يعانون من كبت جنسى، ومن هنا رأيت أن مناهضة هذا القبح وتلك الكراهية، من خلال إعادة جماليات اللغة، الحضارة الإنسانية وأيضا فقه الحب الذي يناقش الوجوه المختلفة لتجليات العشق الإلهى، والكتاب أقرب إلى الكتالوج الفنى.
• اعتدت على كتابة مقتطفات من أعمالك وخصوصا "فقه الحب" على فيس بوك.. فكيف ساعد ذلك عل التواصل مع قرائك؟
أولا فيس بوك هو شبكة التفاعل الاجتماعي على الإنترنت، وقد يأخذ هذا التفاعل أشكالا ثقافيا أو إجرامية، فمثله مثل أي وسيلة إعلامية، واتخذته سبيلا لأننى لم أعد أثق في أداء المؤسسات الحكومية في مصر لما يشوبها من عطب شديد، وعلى الرغم من أننى قضيت سنوات قبل ثورة يناير أطالب بضرورة العمل المؤسسى إلا أننى وجدت أن العمل الفردى هو الممكن الآن مستلهما في ذلك خبرات من التاريخ، فالمرحلة التي تعيشها مصر الآن تتشابه مع زمن ابن نفيس رئيس أطباء مصر والشام في القرن السابع الهجرى، وما شهدته البلاد من اجتياح مغولى وحروب صليبية ومؤامرات السلطة، وهو كان من الشام اصلا من قريه قرب دمشق ومستقر بالقاهرة، بعد ذلك في زمن ابن النفيس حصل الاجتياح المغولي والحروب الصليبيه ومؤمرات السلطة، وكل هذا لم يمنع ابن النفيس من القيام بأعمال في العلم والفقة والفكر الفلسفي، وغيره ممن قاموا بإعادة تدوين التراث العربي السابق خاصة بعد سقوط بغداد.
وانطلاقا من هذا الدرس التاريخى وجدت نفسى أعمل منفردا سواء على مستوى التثقيف عبر فيس بوك أو من خلال الندوات والصالونات الكثيرة طبعا في السنوات الماضية لأن المضايقات كانت أقل.
• وهل يعنى ذلك أن "زيدان" يُمنع بشكل ما من إقامة صالوناته ونداوته؟
لا أظن ذلك، ولكن بعد 30 عاما من إقامة الصالونات الثقافية بداية من عام 1986 في الإسكندرية، لا أجد مكانا الآن هناك التقى فيه الشباب شهريا، فماذا يعنى هذا؟
فلم تشهد الصالونات الثقافية منذ اختراعها، توافد هذا العدد الضخم من الشباب عليها والذي يقترب من 1500 مشارك، وفى نفس الوقت لا يتوفر لك مكان في مدينة لا يوجد فيها أي نشاط ثقافي وعدد سكانها 5 مليون نسمة، وتنتهى الأزمة باختفاء الصالونات الثقافية في الإسكندرية "علشان مافيش مكان".
• كتاب "اللاهوت العربى" كان سببا في اتهامك بازدراء الأديان..فإلى أين وصلت القضية؟
القضية مازالت مفتوحة ولم تغلق بعد، وعلى أي حال هذا الأمر ليس بالجديد منذ عام 2000 وحتى الآن كلما تغلق قضية تفتح أخرى، فدائما هناك قضايا تتعلق بازدراء التراث الإسلامى أو ازدراء المسحية، أو ازدراء الأديان بشكل عام.
• وكيف تابعت أزمة "إسلام البحيرى" وتأييد حبسه 5 سنوات بتهمة ازدراء الأديان ؟
الحال مع إسلام البحيرى مختلف، فأرى أنه غير متعلم ويتحدث عن أشياء لا يعلمها جيدا،مدعيا بطولة زائفة فليس من المنطقى إلهاء وشغل الرأى العام بقضايا الهرج والمرج، ولكن من الخطأ التعامل مع تلك المسائل بهذه الطريقة، فالدين ليس أداة للعقاب.
وأرى أن ازدراء العقل الجمعى وإيراد تصورات فجه وتافهه لا يقل خطرا وإجراما عن ازدراء الاديان، فالدين الله يحميه، ولو كان المجتمع رشيدا فكان أولى به حماية بنيانه العقلى.
• وهل يدافع يوسف زيدان عن فكر العالم ابن تيمية؟
أقولها للمرة الألف لا أدافع ولا أهاجم فكرالعالم الجليل ابن تيمية، فالمنظومة السلفية الحنبلية التي يمثلها ابن تيمية من حيث المبدأ اختلف معها، ولكن لا يعني هذا أن نأتى بشخص من 7 قرون ماضية ونعلق في رقبته مساؤى الواقع الذي نعيشه الآن، لأن هناك دولة لم أر لها ذكرا في التاريخ، جمعت فتاواه المتشددة وطبعتها في مجلدات فخمة لتغذية عقول البسطاء من الناس وأدت إلى ظهور الأفكار المتطرفة والحركات الإرهابية.
وابن تيمية مثل كبار العلماء في تاريخ الإسلام له جانبان، أصول الدين والفتاوى التي بحكم التعريف تتغير بشرط المستفيد من بلد لآخر ولدينا الحالة الأشهر للإمام الشافعى الذي غير مذهبه كاملا عندما انتقل من العراق إلى مصر، فليس من الإنصاف أن نحكم عليه بأنه السبب وراء نشر الأفكار المتطرفة الآن، فهو عالم كبير في نقده للمنطق الارسطي، ونقده لعلماء الكلام والعقيدة، فقد توفى ابن تيمية في القرن الـ8 الهجرى ونحن الآن في القرن الـ15 الهجرى فأين كانت تلك الفتاوى والأفكار خلال الـ7 قرون الماضية ولماذا تم إحيائها في العقود الأخيرة؟.
• ولحساب من لا ينصف فكر هذا العالم الجليل؟
لحساب الجهل، فالإعلام يعاني من جهل فادح، ليس فقط على مستوى القائمين عليه وأنما أيضا على مستوى المتحكمين في رأس المال.
• في وجهة نظرك..هل الإعلام قادر على تغيير وتوجيه الرأى العام؟
هذه الوظيفة فقدها الإعلام المصرى منذ أن فقد مصداقيته عند الجمهور، فنرى الناس تتشاتم على شاشات التليفزيون ثم تتصالح على نفس الشاشات.
• تردد مؤخرا أن مصر دولة علمانية بالفطرة.. فهل حقا هي كذلك؟
العلمانية حركة فكرية عامة مرتبطه بالسياق الأوربي في لحظه تاريخية معينة ولا يصح الكلام عن العلمانية هنا في ثقافتنا، لأنه لابد أولا أن تسيطر المؤسسة الدينية قرونا على أنشطة الحياة كلها فيتمرد عليها علماء ببحوث علمية فينتج عن ذلك حركة فكرية لها تجليات سياسية مثل العقد الاجتماعي وفلسفيه مثل مدارس الفكر الفلسفي الحديث وفنية مثل الاتجاهات التي ظهرت مع عصر العقل، هنا نقول أن هذه علمانية وهذا الكلام كله يخص السياق الاوربي.
أما بالنسبة إلى أن مصر دولة علمانية أم لا، فتلك قضية مستهلكة، ونوع من اللعب السياسي والخلافات حوله حالة هرج لا معنى لها، وبالتالى النقاش والجدال حولها نوع من الخبل العام.
• وهل طرح تلك الأمور مقصود في الوقت الراهن؟
هذا سؤال خطير، فإذا اقريت بأنه مقصود اتهم من بأيديهم الأمر والنهى خلال السنوات الماضية وإذا قلت غير مقصود، لن أستطع تفسير انتشاره لأن هذا الخبل أن لم يكن موجها فما الذي يجعله منتشرا على هذا النحو وبالتالي هو نوع من السبهلله العامه أو التراخي العام الذي يخدم الحكام في اوقات بعينها.
ففي زمن مبارك سمعنا "خليهم يتسلو" وهذا كان أول اعتراف حكومي باللهاء، وفى زمن الإخوان أثيرت قضايا لا أساس لها ولا اظن انهم فعلو ذلك عن عمد ولكن عن جهل، وبالتالي يصعب القول إجمالا أنها ظواهر موجهة أو النفي اجمالا.
وإذا كان الموضوع يتعلق بتصريحات حلمى النمنم وزير الثقافة ثم رد ياسر برهامى عليه، فلا اظن انها موجهة، ولكنها نوع من الهرج العام.
• وعلى سيرة ياسر برهامى وحزب النور..ذكرت من قبل أن حزب النور مضحوك عليهم أيام الإخوان.. فما صحة ذلك؟
قلت بالنص أن الإخوان هيلعبو بالسلفيين ويسومونهم سوء العذاب وهذاما حدث بالفعل بعد ذلك.
• وما رأيك في خوض السلفيين لانتخابات مجلس النواب المقبل؟ ألا يشكل هذا خطرا على المجتمع؟
السلفيون الآن يبحثون عن أي دور يتشبثون به في الحياة السياسية، والسلفية الحقيقية لا أرى منها أي خطرا، فالمداراس السلفية التي اشتغلت بالعلم موجودة طوال التاريخ والتي اهتمت بالحديث النبوى ورواياته ونقده سندا ومتنا، وكان صلاح الدين يذهب خصيصا ليسمع الحديث النبوي من أبو طاهر السلفي، وهو من أعظم علماء السنه في زمانه، فهذه هي السلفية التي أفهمها، أما هذا التهريج السياسي فلا اجد له معنى، فالاتجار بالدين في مجال السياسة عن طريق اقناع البسطاء، أن هذا الشخص بتاع ربنا وبالتالي هيكون كويس، هو مفهوم ساذج ودليل كاف على تخلف الوعى السياسي العام.
• وهل تعتقد أن ثورة يناير كانت أحد أسباب تصدر الإسلام السياسي المشهد؟
بالطبع لا.. حسنى مبارك السبب، ففى 2008 تم الإعلان على صفحات الصحف أنه حان الوقت لأن يكون للإخوان حزب سياسي على لسان رئيس مجلس الشعب آنذاك، ونشرت الصحف على لسان محمد مرسي أنهم لن يترشحوا في دوائر بعينها احتراما للحزب الوطنى، وهنا خلط الدين بالسياسة يؤدى إلى نهايات كارثية، وقد حدث ذلك في الأندلس وفى مصر عدة مرات من قبل.
• ذكرت في أحد حواراتك "لا يمكن فصل الدين عن السياسة ولا فصل الدين عن الدولة"..ألا تخشى من استغلال تجار الدين لهذا الكلام؟
المنظومة الذهنية الثقافية المصرية فيها مزيج بين الضوابط غير الرسمية والضوابط القانونية أي الرسمية بحيث تتلاشى بينهم الحدود، إنما فصل الدين عن الدولة الذي ينادى به بعض التيارت لا يوجد له مبرر اصلا، فالذهنية العامة والعقد الجمعي وموروثنا الثقافي في تناغم طول التاريخ، إنما لم يحدث الا مرة واحدة في تاريخ مصر أن حكمها شخص برداء ديني أيام حكم المقوقس وحل الخراب بالمناسبة بعد سنوات قليلة، ولم يكن هناك نوع من الهيمنة الداعي إلى ثورة أحدهم على الاخر الدين- الدولة، فالمصريون يعانون من أشياء أخرى ليس من بينها الثيوقراطية أو الحكم باسم الاله، فهذا الصراع متخيل وحله خيالى أيضا، الهدف منه استنفاذ طاقتنا دون إحراز أي شيئ.
• وكيف تشكل الكتابة خطرا على الكاتب ؟
الكتابة خطر من عدة وجوه، ليست من الجانب السياسي أو الأمني، ولكنها أيضا نهر متجدد وتدفع الكاتب إلى البحث في كيف يفكر قرائه، فإذا فشل في ذلك انتهى تماما، بالإضافة إل أنها خطر في ظل الحكومات الإستبدادية لأن الحكم المستبد لا يطيق رأي مختلف وطالما دفع الكتاب في نواحي مختلفة من العلم ومراحل تاريخية مختلفة أيضا ثمنا باهظا لأفكارهم.
• البعض يري أن رواية عزازيل ظلمت باقي أعمال يوسف زيدان.. فما رأيك؟
على العكس تماما، فالأعمال الأخرى أيضا واسعة الانتشار، فالنبطي صدر منها 15 طبعة أربعة سنوات، أيضا كتاب "اللاهوت العربى" يتصدر الأعلى مبيعا في الوطن العربى، وفى أول صدور لـ "جوانتناموا ومحال" وزعت الطبعات الاصلية لهما من 30-40 ألف نسخة في في طبعتهما الأولى، أيضا المجموعة القصصية الأخيرة (حِلً وترحال) حققت رواجا داخل مصر وخارجها على الرغم من طباعتها خارج مصر، نشرت خارج مصر.
واعتقد أن عزازيل هي الأوفر حظا من بقية الأعمال في الترجمة، فقد ترجمت النبطي مثلا إلى خمس لغات، إنما عزازيل ترجمت إلى 26 لغة.
• ولماذا اعتزل يوسف زيدان العمل الثقافى في إحدى الفترات الماضية؟
لم يكن اعتزالا بمعناه الحرفى،ولكنى توقفت في لحظة عن العمل الثقافى، كى ألفت النظر عن خطورة شيئ ما، وأنما لم أتوقف عن كتابة الكتب والروايات، فقط توقفت عن كتابة المقالات وعمل الندوات والتفاعل مع الاعلام في فترة لتوجيه الانظار إلى مارايت أنه طامة كبري تقع ولا حد يهتم، وهذا لتوجيه النظر.
• وهل مدينة الإسكندرية هي الملهم بالنسبة ليوسف زيدان ؟
كانت كذلك في السابق.
• ولماذا لا تظل كذلك؟
لأنها الآن أصبحت عاصمة الملح والقسوة.
• وأخيرا.." نور" هي ختام ثلاثية "جوانتناموا ومحال"..فلماذا لم تصدر حتى الآن؟
لانني أعدت بناء الرواية من جديد لتناقش مسائل أكثر حيويه، وانتهيت منها وستصدر قريبا.