إشكاليات في طريق الحركة الإسلامية
من الأسئلة التي تتردد على ألسنة الكثيرين من المهتمين بالعمل السياسي، هذا السؤال: هل من المتوقع أن تعود الحركة الإسلامية إلى الظهور والبروز مرة ثانية؟، أم أنها وصلت إلى طريق مسدود؟
الحقيقة أن هناك إشكاليات كثيرة تواجه الحركة الإسلامية، وهي نفس الإشكاليات التي أدت إلى فشلها وسقوطها المروع، وثورة الجماهير عليها والإطاحة بها بعد عام واحد فقط من حكمها لمصر.. لقد كان لديها كل الفرص التي تمكنها من البقاء والاستمرار، لكنها للأسف لم تكن على مستوى التحدي، فكرا وفهما وممارسة وتطبيقا، فضلا عن تماهيها مع فصائل العنف.. أتصور أن الحركة الإسلامية لن تعود إلى الواجهة مرة أخرى، إلا إذا حسمت أمرها وراجعت مواقفها فيما يتعلق بمجموعة من الإشكاليات.
أول هذه الإشكاليات هو فقدان الحركة الإسلامية للرؤية الإستراتيجية على امتداد الزمان (من حيث التاريخ والسنن والأحداث والوقائع)، وامتداد المكان (محليا وإقليميا ودوليا).. إذ هي عادة ما تحصر نفسها في المتغيرات اليومية، فضلا عن استغراقها في التفاصيل الدقيقة التي لا تنتهي.. هي كثيرا ما تتصور أن الشجرة هي كل ما في الغابة، وتنسى أن الأخيرة تضم العشرات والمئات من الأشجار، والحيوانات، والطيور، والزواحف، والحشرات، ولكل من هذه أصنافه وأشكاله وألوانه.. ومن هنا فإن الحركة الإسلامية تتعثر كثيرا، ما أن تسقط في حفرة وتنهض، حتى تعود إلى السقوط - ربما في حفرة أكبر - مرة أخرى، وهكذا..
ثاني هذه الإشكاليات خاص بالتشوه الفكري للحركة الإسلامية تجاه مجموعة من القضايا، كالديمقراطية، والوطن والمواطنة، والخلافة، وأيضا هذا الخلط بين الإسلام - كدين منزل له قدسيته ومنزلته - والفكر الإسلامي كمنتج بشري، تتفق أو تختلف معه.. ففيما يتعلق بالديمقراطية، تتصور الحركة الإسلامية أنها تعمل - بخلاف الشورى - في فضاء واسع من الحرية.. وتنسى الحركة أنه لا توجد حرية مطلقة، وإلا صار الأمر فوضى.. فلكل مجتمع قيوده بالنسبة للحرية التي يمارسها، تبعا لخصوصيته الثقافية.. وبالتالي لنا أن نقول إن مساحة الحرية في أمريكا، غيرها في بريطانيا، غيرها في السويد، وهكذا.. ومن ثم حينما نتكلم عن الديمقراطية، يجب أن نحدد ابتداء عن أي مجتمع نتحدث، عن مصر، أم الكويت، أم المملكة العربية السعودية، أم لبنان، أم الهند، أم باكستان؟
إنه مما لا شك فيه أن الديمقراطية إذا ما تم تطبيقها بشفافية ونزاهة، سوف تحقق العدالة التي ينشدها الإسلام.. أما ما يتعلق بنظرة الحركة الإسلامية للوطن والمواطنة، ففيها لبس وعدم فهم، فهي تعتقد أن الإسلام هو وطنها الذي تعيش فيه.. يقول البنا في البند الأول من الأصول العشرين: إن "الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا؛ فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة.. إلخ".
كما قال أحدهم: نحن عصبة الإله دينه لنا وطن ** نحن جند مصطفاة نستخف بالمحن.. إن الوطن هو الأرض التي يقيم عليها الإنسان، ونظرا للارتباط بين الإنسان والمكان الذي يعيش فيه، أصبحت هذه الكلمة محبوبة للنفوس، يتغنى بها الناس مهما اختلفت أديانهم ومذاهبهم.. وأما المواطنة فهي فعل انتماء للوطن، وهي مفاعلة بين الناس والمكان، ينشأ عنها عاطفة الحب للوطن، ويترتب عليها حقوق وواجبات متبادلة بين الإنسان والوطن الذي يقيم فيه، وهي أيضا انتماء إلى الناس الذين يسكنون هذه الأرض، وإلى النظام الذي يحكم علاقاتهم وأحوالهم، وهي كذلك نوع من الولاء للسلطة القائمة في هذا الوطن.
ومن القضايا الملتبسة عند الحركة الإسلامية، وعند خصومها أيضا، علاقة ما هو إسلامي بما هو قومي، أو بما هو وطني.. ناهينا عما نسمعه ونراه اليوم من إسلام شعبي، وثان رسمي، وثالث سياسي، ورابع صوفي، وخامس سني، وسادس شيعي، وسابع راديكالي، وثامن إصلاحي، وتاسع انقلابي.. إلخ.
وقد يكون التنوع على أساس قومي أو جغرافي، فيميز فيه بين إسلام آسيوي وآخر أفريقي، وإسلام مغربي وآخر مشرقي، وإسلام عربي وآخر عجمي.. إلخ، وفي ظل هذا التنوع والاختلاف، يصبح الحديث عن الخلافة بالمعنى الذي قصده "السنهوري" بالخلافة الصحيحة، أو حتى الناقصة، التي يسعى إليها البعض (من "البنا" وحتى "داعش") غير ذي جدوى..
ثالث هذه الإشكاليات هو الخلل الموجود داخل الحركة الإسلامية في المنظومة القيمية، الأخلاقية والإيمانية والإنسانية.. إن أي تشكيل أو تنظيم أو جماعة فاقدة لهذه المنظومة، أو لجزء منها أو لعنصر من عناصرها، محكوم عليها بالفشل، أيا كان حجمها أو وزنها أو انتشارها.. فبانعدام الصدق والصراحة والوضوح، والرأفة والرحمة واللين، والشجاعة والشهامة والمروءة، والإيثار وإنكار الذات، والتضحية والفداء.. إلخ، تفتقد الجماعة سبب وجودها.