رئيس التحرير
عصام كامل

حتى أنت يا مارك


القول بأن العالم " المتحضر" يكيل بمكيالين في مناحي الحياة المختلفة قد يبدو لكثيرين أشبه بمسلّمة رياضية. طالما أنها مسلمة لمَ الحديث عن كيل السيد" زوكربيرج" بألف مكيالٍ إذًا؟


أنا أذكّر بهذه الثنائية حفزًا لسؤال عن جوهر وجودنا نحن العرب. من نحن الشرقيون؟ أو بمعنى ما قيمة البشر خارج الجغرافيا الغربية؟

السيد زوكربيرج فعّل للسابحين في محيطه الأزرق خدمة "Safety Check" أو فحص السلامة، عقب جمعة باريس الحزينة، ليطمئن المستخدم على سلامة الأصدقاء والمعارف القريبين من موقع الحدث، والتواصل مع المقيمين في المناطق التي استهدفتها الهجمات.

لسنا بالمطلق ضد أن يطمئن الجميع على الجميع. نحن بمطلق المطلق ضد هجمات داعش، وضد الفجائع، لكننا على ذات القدر من الصرامة في أن يبادلنا الآخرون هذه النظرة الندية.

لو يعلم زوكربيرج الامتعاض في أوساط المستخدمين في الشرق الأوسط لهذه العين العوراء التي في وجهه، لكان احمرّ وجهه خجلًا!
الموقع أوغل في انحيازه، والانحياز في معظم تجلياته قوة. أوغل فيس بوك حينما أطلق تطبيقًا جديدًا أتاح لمن يحب تغيير صور البروفايلات بألوان العلم الفرنسي، ووضع العلم كخلفية للصورة الشخصية، وقد استفادت شخصيات عامة غربية فوضعت العلم الفرنسي ومنهم مارك زوكربيرج، مؤسّس الموقع ومديره التنفيذي، وهو حق أصيل من حقوق الإنسان الذي وصفه أرسطو يومًا بأنه " ذات حرّة".

موجة التضامن مع فرنسا كان فيها الكثير من التجليات والتناقضات والثنائيات والقطبيات، فثمة 114 مليون مستخدم للفيس بوك في الشرق الأوسط، هذا الشرق الحزين، الذي شهد في الآونة الأخيرة الكثير من الفجائع، فالطائرة الروسية التي سقطت في مصر، وتفجيرات برج البراجنة في لبنان ومقتلة السوريين اليومية أصبحت في الخامسة.

كل ذلك لم يدفع بصاحب فيس بوك إلى أن يتعاطف مع ضحايانا، ولم يدفعه ذلك لينظر إلى ضحايانا على أنهم بشر.

معايير مزدوجة في السياسة وأخرى في التقانة. ازدواجية تطال علاقة الغرب بالشرق، ولا يمكن أن تنطلي بالشعارات البراقة التي يحاول لها بعض من في الشرق أو الغرب.

زوكربيرج وأمام سيل الاتهامات والانتقادات رد على صفحته بالقول "إنكم على حق. الكثير من الأشخاص سألوني، وهم محقون، لماذا أتحنا خاصية فحص السلامة لباريس، ولم نفعل ذلك لتفجيرات بيروت والأماكن الأخرى؟ فسياسة الموقع كانت" حتى يوم أمس، أن تتاح تلك الخاصية فقط في حالة الكوارث الطبيعية، لقد غيرنا هذه السياسة الآن، وأصبحنا نخطط لتكون متاحة للمزيد من المآسي الإنسانية منذ الآن. مشيرًا إلى أن فيس بوك " يهتم بجميع البشر بقدر متساوٍ، وسنعمل بجد لنساعد الذين يعانون بأكبر قدر ممكن من الحالات".

أنا أسأل المولى أن يجنبنا الكوارث التي سنمتحن من خلالها مصداقية مارك في المستقبل، فلو كنا جميعنا بشرا لكان وظف شركته للتعاطف مع أصحاب الضحايا. قتلانا لا بواكي لها.

الجريدة الرسمية