رئيس التحرير
عصام كامل

عندما صرخ قائد الطائرة: انتبهوا أنتم الآن في روسيا!


هذه القصة حقيقية حدثت في خريف 89، ولها دلالة في الأحداث الجارية بين مصر وروسيا، وتقول التفاصيل:

كنت طالبا صغيرا واخترت ممثلا للطلبة ضمن وفد المعارضة المصرية الذي تلقى الدعوة لحضور مهرجان الشباب العالمي في بيونج يانج، عاصمة كوريا الشمالية.. وكان وزير الشباب هو الدكتور عبد الأحد جمال الدين.. ورغم أنه مهرجان للشباب إلا أنه كان مهرجانا سياسيا شاملا لكل الدول الرافضة للهيمنة الأمريكية وسياساتها.. كان الوفد المصري يضم عددا من الشخصيات المعروفة من بينهم الفنانة الكبيرة محسنة توفيق، ونائب الدقهلية الراحل محمد عقل، وأسامة برهان نقيب الاجتماعيين حاليا، وأميرة بهي الدين أحد الثلاثي الذي يقدم برنامج "الستات ما يعرفوش يكدبوا"، والمحامي البارز محمد محمود رفعت رئيس حزب الوفاق الحالي، والصحفي المعروف حسن بديع رئيس تحرير الدستور السابق، والقيادي الناصري البارز المهندس مصطفى الغزاوي، وغيرهم، وترأس الوفد وقتها القطب الناصري الكبير الراحل فريد عبد الكريم..


حاول عبد الأحد جمال الدين إشراك الحزب الوطني الحاكم في الوفد بأي طريقة، وبالرغم من إبلاغه بأن الدعوة تمنح أصلا للأحزاب الاشتراكية وليس من بينها الوطني، وأن من حق متلقي الدعوة أن يشرك فيها من يريد من القوى السياسية والأحزاب في دولته، ولكن حرصا على اسم مصر في الخارج وافق وفد المعارضة من الناصريين وحزب التجمع إشراك الحزب الوطني.. إلا أن الدكتور عبد الأحد أصر على عدد من الأعضاء، وأن يترأس الوطني الوفد!

رفض الوفد وتراجع عن إشراك الوطني كلية، واستكملنا إجراءات السفر بالمطار.. التأشيرات سليمة.. الأوراق سليمة.. تصاريح السفر للطلبة مثلي سليمة.. وتم الانتهاء من الموافقات والأختام والتفتيش.. ثم صعدت الحقائب للطائرة التي كانت طائرة خاصة قادمة فقط من أجل الوفد المصري، ومعنا وفود عربية أخرى جاءت لتذهب إلى كوريا الشمالية معنا من القاهرة!

أصبحنا في الصالة الأخيرة ولا يفصلنا عن الطائرة إلا أمتار قليلة، وفجأه يبلغ ضابط الأمن قائد الطائرة الروسية بأن الوفد المصري غير مسموح له بالسفر!!.. لماذا؟.. لا يعرف أحد.. وبعد اتصالات مع ضباط المطار أبلغونا بأنه ينبغي التفاوض مع الدكتور عبد الأحد جمال الدين، الذي استمرت المفاوضات معه ومع مندوبيه ليلة كاملة تجاوزت الـ12 ساعة انتهت عند الصباح!

ظل قائد الطائرة الروسية متماسكا هادئا يتابع الموقف لساعات، وفجأة صرخ غاضبا مما يجرى وأشار إلى الأستاذ فريد عبد الكريم، الذي أوقف التفاوض مع عبد الأحد ورفض الابتزاز، وقال لن يشاركوا معنا حتى لو جاء عبد الأحد نفسه، وإن إلغاء المشاركة أكرم لنا - كان عنيدا جدا، وكان ممن رفضوا توقيع طلب العفو من السادات وقضى عشر سنوات كاملة في السجن - وقال لضابط المطار: "اسمع.. هذا الرجل وحده من سيقول لي أغادر المطار أم لا.. وأشار الطيار إلينا وقال: وهذا الوفد أنهى كل إجراءاته وحقائبه على الطائرة، ولذلك فهم الآن بحكم القانون على الأرض الروسية ولن يستطيع أحد أن يمسهم بسوء"!

أحد المسافرين الذي أصبح أمين عام مساعد اتحاد المحامين العرب فيما بعد الأستاذ أحمد عبيد سافر - ولا نعرف كيف - على طائرة أخرى، ووصل إلى بيونج يانج وروى أمام كل الوفود ووسائل إعلامهم ما جرى مع الوفد المصري، الذي رد كرم الطيار الروسي بعدم رغبته في إفساد الموقف وتصعيده أكثر مما هو عليه، واعتذر عن السفر وطلب إعادة حقائب أعضاء الوفد!

لماذا نروي القصة اليوم؟.. وهي شهادة لواقعة عشناها وسابقة في التعامل في قضايا الطيران بين مصر وروسيا نرويها لمن يحبون الصيد في الماء العكر، ويسعون بطريقة بعد أخرى لإفساد العلاقات المصرية الروسية، بزعم أن روسيا أعلنت من طرف واحد نتائج التحقيقات في حادث الطائرة، وأنها إهانة لمصر دون إدراك أن الطائرة الروسية هي أرض روسية مثلها مثل أرض السفارة، وجرت عليها جريمة، ويحق للطرف الروسي إعلان نتائج تحقيقاته، ولذلك قال الرئيس السيسي أمس، في الاتصال الهاتفي مع بوتين، إن مصر تتفهم الموقف الروسي وتتضامن معه، واتفقا على التعاون الشامل ضد الإرهاب، وهو التعاون الذي سيتجلى بإجراءات فعلية سيعرفها العالم قريبا!
الجريدة الرسمية