رئيس التحرير
عصام كامل

الدم واحد في باريس «الغرب والشرق»


يثبت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دائما أنه أكثر شجاعة وصدقا من غيره، وقد وضع النقاط على الحروف في قمة "مجموعة العشرين" بقوله: "إن تمويل الإرهابيين يأتي من 40 دولة، بينها دول من مجموعة العشرين"، بمعنى أن بوتين اتهم بعض كبار الدول بدعم الإرهاب، ولا نبالغ إن قلنا إنه يقصد أولا أمريكا وتركيا، إلى جانب غيرهما من الدول.


جدد بوتين دعوته إلى "تشكيل تحالف دولي لمكافحة الإرهاب"، مشيرا إلى أن "اعتداءات باريس أثبتت صوابية دعوة بلاده".. وهو هنا يشكك مرة أخرى في مصداقية التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا لحرب "داعش"؛ لأنه في الحقيقة زاده قوة ولم يؤثر فيه على أرض الواقع.

في ختام كلمته، شدد بوتين على ضرورة "تنفيذ المبادرة الروسية لمنع تمويل الإرهاب، والحد من التجارة غير المشروعة بالقطع الأثرية التي سرقها الإرهابيون من المدن العربية التي يستولون عليها".

لكن فات بوتين الحديث عن ازدواجية المعايير في التعامل مع الإرهاب، التي تجلت في رد الفعل العالمي الحاشد لدعم فرنسا ضد الإرهاب الذي ضربها فيما أطلق عليه "11 سبتمبر أوربي"، ولا أقلل هنا من شأن دموية وبشاعة التفجيرات المتزامنة التي استهدفت عاصمة النور والثقافة باريس، لكن أشير فقط إلى أن العالم كله انتفض لمساندة "باريس الغرب"، لكنه غط في سبات عميق قبلها بيومين فقط عند تنفيذ تفجيرات انتحارية مماثلة في لبنان أو "باريس الشرق".. ورغم أن التفجير حدث في الضاحية الجنوبية معقل "حزب الله"، وأنا بالأساس ضد حسن نصر الله و"حزب الله" الموالي لإيران، لكن يظل المبدأ واحدا في كل الأحوال: "الدم حرام والإرهاب مرفوض في أي بقعة من العالم".

وفي هذا الصدد، أعجبني ما كتبته نجمة هوليوود أنجلينا جولي عن التباين في رد الفعل على الإرهاب بما يمثل إدانة واضحة للغرب الذي تنتمي إليه، تقول أنجلينا: "باريس ليست وحدها من يحتاج إلى الدعاء، بل العالم بحاجة إلى دعواتنا، وإن لبنان التي دوت فيها الانفجارات قبل هجمات باريس بيومين لم تنل تغطية إعلامية على القدر ذاته، ثم إن بغداد مازالت تعاني دون أن تنال ذات الاهتمام؛ لأن لا أبيض يموت في تلك التفجيرات".

جولي تطرقت أيضا إلى مأساة اللاجئين، ودعت العالم إلى أن "يفرق بين من يهاجم الأبرياء وبين أبرياء فروا ممن يهدد حياتهم".. مطالبة بالدعاء "لأولئك الذين يتركون ديارهم وأموالهم ويسيرون شهورا بين الدول؛ بحثا عن مكان يركنون إليه بعد أن ضاقت بهم سبل الحياة في أوطانهم".

لم تركن جولي إلى حياة "هوليوود" المترفة، ولمست بعملها الإنساني آلام البسطاء وعايشت معاناة اللاجئين عن قرب، لذلك أدركت المبالغة في دعم فرنسا على حساب ما يحدث في الدول العربية، وليت أنجلينا كانت بيننا لتلمس "حفلة النفاق" التي اجتاحت من يعتبرون أنفسهم "نشطاء وثوريين"؛ حيث تلونت صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي بألوان ومعالم فرنسية خالصة مع كلمات مؤثرة دعما ضد الإرهاب، وهؤلاء تحديدا لم أر بينهم من تضامن مع بلده مصر في حربها الشرسة ضد آلاف الإرهابيين، ولم ينددوا يوما بعمليات الإرهاب الخسيسة التي حصدت أرواح ضباط وجنود مصر، ولا شجبوا التفجيرات التي أتت على عشرات المباني الحكومية والأثرية وأبراج الكهرباء وغيرها..

هؤلاء نتمنى أن يستعيدوا الرشد ويدعموا وطنهم كما يدعمون دول الغرب، أو أن يتركوا مصر لشعبها المحب ويغادروها إلى حيث تهفو أنفسهم وهنيئا لهم دول الغرب، التي تتعامل بازدواجية في كل ما يتعلق بمصر، ولا أدل على ذلك من أن البيان الختامي لقادة مجموعة العشرين أكد على "أهمية العمل الجماعي لمنع الأعمال الإرهابية من خلال زيادة التعاون الدولي، وتبادل المعلومات بشأن القنوات التي يستخدمها الإرهابيون"..

وعند تطبيق ذلك على مصر، نجد أنه مجرد "شو سياسي"؛ لأن مصر تواجه منفردة عشرات الآلاف من الإرهابيين منذ أكثر من عامين دون أن يمد أحد إليها يد المساعدة عسكريا أو أمنيا أو معلوماتيا أو حتى معنويا، كما أنهم كانوا يملكون معلومات عن حادثة الطائرة الروسية ولم يبلغوا بها مصر كي تمنع الكارثة!.. لكن أم الدنيا ستظل شامخة وستهزم الإرهاب دون الحاجة إلى الغرب.
الجريدة الرسمية