أزمة السياحة وفكر الهرولة !
سقوط الطائرة الروسية في سيناء خلق أزمة في السياحة إلى شرم الشيخ، امتدت إلى باقي المدن السياحية المصرية، خصوصا السائحين الروس والإنجليز، وهم من تعتمد عليهم السياحة في شرم الشيخ، باعتبارهم الأكثر عددا وتدفقا وإنفاقا في هذا الوقت من العام، وبعيدا عن كل التفسيرات الخاصة بسقوط الطائرة، وبعيدا عن أي أسباب يسوقها البعض سواء كانت مؤامرة أو غير ذلك فإن الكارثة قد وقعت، وتداعياتها تتوالي سريعا وبلا توقف، وعلينا النظر إليها باعتبارها كارثة أكثر من كونها مجرد أزمة وتعدي!
في العلاقات الدولية ليس هناك(عشم)، وفي المصالح الدولية ليس هناك عاطفة ورومانسية حالمة، وفي مواجهة الأزمة متعددة الأطراف ليس هناك شعارات وأغانٍ وصور تليفزيونية، وفي ألف باء المواجهة للحل لا يجدي رد الفعل، وانتظار ما يفعله الآخر من أجلك، فكل الأطراف تبحث عن مصالحها ولها كل الحق في ذلك !
يبدو أننا تعودنا على الهرولة أو أن الهرولة أصبحت منهجا نتواري خلفه وقت الأزمة، حتى تمر ذروتها وتنكسر حدتها بتسليم أمرنا لله، ونكتفي بمعالجة العرض لكننا لا نقترب من المرض أو نعالجه، وأمراض السياحة معروفة لدى صناع القرار السياحي في مصر، وكلنا يعرفها وسمعناها مرات في كل الأزمات السابقة من أصحاب الشأن العاملين بها.. لكننا نؤذن في مالطة.. حتى في هذه الأزمة الأخيرة التي أطفأت أنوار مقاصد سياحية كثيرة وفريدة في مصر، هرولنا إلى شعارات ونداءات وبعض اللقاءات التليفزيونية، ومبادرات لا تسمن ولا تغني من جوع.. فكر فيها هؤلاء المهرولون دائما ليقولوا(عملنا ما علينا)، ومبادرات لا تخلو من أهواء نفسية وأغراض شخصية ليس من ورائها سوي مصلحة من نادي بها أو نفذها.
انطلقت صيحات تعويض شرم الشيخ والغردقة بالسياحة الداخلية للمصريين بدلا من الروسية والانجليزية، وكأن المصريين فجأة سيتحولون إلى سائحين بين عشية وضحاها، وافترض المهرولون أن المصريين لديهم فوائض مالية تكفي هذا التعويض، أو أنهم يقصدون الطبقة القادرة ورجال المال والأعمال وهؤلاء لديهم مقاصد سياحية أخرى لزوم ممارسة الحرية والابتعاد عن العين المتلصصة والنميمة! أو يقصدون رجال الحكم والرموز السياسية والحزبية والنقابية والإعلامية والجمعيات الأهلية، وأظن أن هذا ما حدث بالفعل فقد ذهبت-وما زالت- بعض الوفود من الوزارات والمسئولين بصحبة إعلاميين وفنانين ورموز سياسية لالتقاط الصور والظهور على شاشات الفضائيات يرفعون الأعلام المصرية، ويدلون بتصريحات باهتة لزوم مالا يلزم ثم يعودون أدراجهم، وقد سجلوا موقفا مساندا للسياحة من حيث الشكل، وموقفا هزليا من حيث المضمون !
السؤال هل دفع أحد منهم دولارا أو جنيها من جيبه الخاص؟ هل اشتري أحد منهم سلعة من بازار أو متجر هناك؟ هل مسح أحد منهم دمعة شاب مهدد بالتوقف عن العمل أو أوجد له حلا لمشكلته؟ هل خاطب أحد منهم الرأي العام العالمي بلغته الأجنبية ليوجه إليه رسالة ما من خلال أي فضائية؟ الإجابة بالقطع لا.
الحقيقة أن أسلوب الهرولة لن يحل مشكلة، فنحن نعرف أمراض السياحة باح بها العاملون فيها مرارا وهم أدري بها منا، ومع ذلك لم يستجب إليهم أحد، ولم يساندهم الإعلام الذي يملأ سماء الوطن ضجيجا بلا فائدة، أو هدف، وقرر الاستمرار في الهرولة وطرح كل ما يعالج العرض ولا يعالج المرض، مطلوب رؤية تكون متضمنة آراء العاملين بالسياحة تتدخل فيها الدولة لحل المشاكل المتراكمة التي هي طرف فيها مثل التأمينات والضرائب والتمويل، رؤية تجمع وزارات السياحة والآثار والطيران في بوتقة واحدة أو وزارة واحدة قادرة على اتخاذ القرار والفعل بدلا من التضارب الحادث بينهم، مطلوب فتح أسواق جديدة بحوافز جادة، مطلوب مخاطبة العالم والتوقف عن مخاطبة أنفسنا.. حوار الطرش لن ينتج شيئا!.. ياهوووووه العجلة تم اختراعها وانتهي الأمر يرحمكم الله
m.elazizi@hotmail.com