رئيس التحرير
عصام كامل

أزمة فرنسا بعيون مصرية


بعد يوم طويل من العمل، عدت إلى بيتي متأخرة ما أن أدرت المفتاح حتى وجدت وجه زوجي وابني متجهمين، فلا ابتسامات ولا ضحكات ولا مناوشات، وعيونهما مسلطة على شاشة التليفزيون، باريس تئن تحت انفجارات عديدة في وقت واحد، ستبقى تلك الليلة السوداء في ذاكرتي وذاكرة الفرنسيين لزمن طويل، فالمتهم بهذا الإرهاب أعرفه، وما لعجب فما أن تحدث جريمة قتل عادية أو اعتداء حتى نضع نحن العرب جميعا أيادينا على قلوبنا؛ خوفا من أن يكون الفاعل عربيا، وهو ما تؤكده التحقيقات غالبا.


هنا علينا أن ندرك أن كلمة عربي تعني كل الجنسيات العربية، فلا فرق لدى الأوربيين بين مصري وسوري ومغربي، كلنا نخضع لمسمى واحد هو العرب.

أذكر زميلتي الفرنسية التي أمضت أعواما في خصام وشجار مع والدها ضابط البوليس؛ لرفضه التام لزواجها من شاب عربي، فطبيعة عمله جعلته يصدر حكما نهائيا على كل العرب، رغم أنه حكم ظالم، فعددنا يصل إلى ستة ملايين تقريبا، أغلبهم يعملون ومندمجون في المجتمع الفرنسي، ويحترمون قوانين الدولة فلم يهجروا بلادهم إلا للقمة العيش بل يمثلون كتلة كبيرة من شأنها أن تغير نتيجة الانتخابات الرئاسية لحصول أغلبهم على الجنسية الفرنسية، وعلى الرغم من أن التعميم جهل، إلا أن بعض الأوربيين وقعوا فيه فوضعونا جميعا في بوتقة واحدة، وعلى الرغم أيضا من أن هذا الإرهاب عانت منه البلاد العربية أكثر من أي دول غربية أخرى، فزهقت أرواح الآلاف بعد الآلاف ولم يشعر بهم أحد، وطبيعي أن يزحف في اتجاه الغرب ولن يختار عشوائيا، فسيختار الدول التي قررت أن تحاربه، وسهل الربط بين فرنسا وروسيا وحربهما في سوريا والقنبلة التي تفجرت في الطائرة الروسية بمصر، وعلاقة الأخيرة بكل من الدولتين مؤخرا، وبعدها تفجيرات باريس، يبدو رابطا قويا بين كل هذا ورغبة داعش في إيلام البلدين ولكن ترى هل تفهم الشعوب هذا؟!

الشعب الفرنسي مثله مثل كل شعوب العالم، يريد أن يعيش بسلام يتعاطف مع شعوب أخرى يهددها الإرهاب، لكنه لا يريده أن يأتي إلى عقر داره، وقد كان للحق متعاطفا كثيرا مع مصر، وينتظر أن تزاح غمة الإرهاب ليأتي إليها، وأذكر كلمات صديق موسيقي لن أموت قبل أن أرى الأهرامات، وحين أعلن هولاند حربه في سوريا مع أمريكا منذ قرابة العام والنصف، زمجر الشعب الفرنسي غاضبا، ولِمَ ندخل في حرب لا تخصنا؟.. ولِمَ وسندفع الثمن هنا؟.. حتى خرج عيلهم في خطاب يقول: ولِمَ لا نحارب مع أمريكا؟.. ثم تراجع عن قراره حتى عاود الكرة مؤخرا بعد حادثة شارل إيبدو، وبعد تكدس اللاجئين على الحدود وربما لحسابات سياسية أخرى.
الجريدة الرسمية